بعدك ؛ فبكى كثير ممّن سمع صوتها وانصرفوا ؛ فوثب عمر فى ناس معه ؛ فأخرجوه ، وانطلقوا به إلى أبى بكر حتى أجلسوه بين يديه.
فقال أبو بكر : بايع ، قال : فإن لم أفعل ، قال : إذن والله الّذي لا إله هو نضرب عنقك ؛ فالتفت عليّ عليهالسلام إلى القبر وقال : «يا ابن أم إنّ القوم استضعفونى وكادوا يقتلوننى» (١) ثم بايع عن كره ، واضطرار.
وروى أنّه لمّا بويع أبو بكر غضب جماعة من المهاجرين ، والأنصار وقالوا : أبويع من غير مشورة ولا رضى منّا ، وغضب عليّ ، والزبير ، ودخلا بيت فاطمة ، وتخلّفا عن البيعة ، فجاءهم عمر فى جماعة وفيهم مسلمة بن أسلم (٢) ؛ فصاح عمر : أخرجوا ، أو لنحرقها عليكم ، فأبوا أن يخرجوا ، فأمر عمر مسلمة بن أسلم فدخل عليهما ، وأخذ أسيافهما ، أو أسيف أحدهما ؛ فضرب به الجدار حتى كسره ، ثم أخرجهما يسوقهما / حتى بايعا كرها وإلجاء.
وعلى هذا فأىّ إجماع ينعقد فى عصر فيه عليّ ، والزّبير وهما غير داخلين فيه اختيارا.
وإن سلمنا انعقاد الإجماع على ذلك ؛ لكن لا نسلم أن الإجماع حجة على ما تقدم.
سلمنا أنه حجة لكن متى ، إذا لزم منه مخالفة النص ، أو إذا لم يلزم؟ الأول : ممنوع ، والثانى : مسلم.
وبيان مخالفته للنص ما بيّناه من التنصيص على عليّ رضى الله عنه.
والجواب : قولهم : لا نسلم أنه كان أهلا للإمامة.
قلنا : دليله الإجمال والتفصيل.
أما الإجمال : فهو أن إجماع الأمة على عقد الإمامة له يدل على كونه أهلا لها ، ومستجمعا لشرائطها ، وإلا كان إجماعهم على الخطأ ؛ وهو محال.
__________________
(١) قارن هذه الرواية بما ورد فى تاريخ الطبرى ٣ / ٢٠٨.
(٢) هو : مسلمة بن أسلم بن حريش بن عدى الأنصارى شهد المشاهد كلها مع رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ، واستشهد بالعراق فى خلافة عمر ـ رضي الله عنه ـ سنة ١٤ ه (أسد الغابة ٤ / ٣٩٧ ، الإصابة ٣ / ٣٩٨).