وأما التفصيل : فهو أن الشروط المعتبرة فى الإمامة كلها متحققة فى حقه (١) ، فإنه كان ذكرا ، حرا ، قرشيا ، مشهور النسب ، بالغا ، عاقلا من غير خلاف ، وكان مسلما ، عدلا ، ثقة ؛ لأنه كان متظاهرا بالإسلام ، والتزام أحكامه ، والإقرار بالشهادتين ، محافظا على أمور دينه ، رشيدا فى دينه ، ودنياه ولم يعلم منه صدور كبيرة ، ولا مداومة على صغيرة ، ولا معنى للمسلم العدل إلا هذا.
وكان من أهل الحل ، والعقد ، والاجتهاد فى المسائل الشرعية ، والأمور السمعية ، وله فى ذلك الأقوال المشهورة ، والمذاهب المأثورة فى أحكام الفرائض ، وغيرها. كما هو معروف فى مواضعه ، مضافا إلى ما كان يعلم من أنساب العرب ، ووقائعها ، والعلوم الأدبيّة والأمور السياسية ، التى لا ريب فيها إلا لجاحد معاند.
وكان مع ذلك خبيرا بأمور الحرب ، وترتيب الجيوش ، وحفظ الثغور ، بصيرا بالأمور السياسية ، لم يلف فى تصرفه مدة ولايته خلل ، ولا زلل.
وكان شجاعا [مقدما] ، مقداما ، شديد البأس قوىّ المراس ، ثابت الجنان وقت التحام الشدائد ، واصطلام الأهوال بدليل صبره مع النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فى ساعة الخوف ، واستتاره فى الغار (٢) من الكفار ، ووضع عقبه على كوة فى الغار ، وقد لسعته الأفعى ، ولم يتأوّه مخافة استيقاظ النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ.
وقصته المشهورة مع المرتدين ، وقد تخاذل الصّحابة عنهم وقوله : «لأقاتلنهم ولو بابنتى هاتين» (٣). وأنه لم يتخلف عن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فى وقعة من الوقائع ، ولا مشهد من المشاهد ، إلا وهو أول القوم ، وآخرهم فى نصرة الدين ، والذّب عن حوزة المسلمين ، وأنّه كان مطاعا ، مهابا ، نافذ الأمر ، صيّب النّظر ، بدليل رجوع الصّحابة فى وقت اضطرابهم ، وتشويش أحوالهم ، عند ما قبض النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ واختلافهم فى موته (٤) ومحلّ
__________________
(١) قارن بما ورد فى المراجع التالية : الإبانة عن أصول الديانة للإمام الأشعرى ص ٢٠٤ وما بعدها. واللمع له أيضا ص ١٣١ ، ١٣٢ ، والتمهيد للباقلانى ص ١٨٧ ـ ١٩٧. والإرشاد للجوينى ص ٢٤٠ وما بعدها ، والأربعين للرازى ص ٤٠ وما بعدها والمغنى فى أبواب التوحيد والعدل للقاضى عبد الجبار ٢٠ / ٢١٥ وما بعدها من القسم الأول.
وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٩٥ وما بعدها.
(٢) كان رضي الله عنه ثانى اثنين فى الغار قال تعالى (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) [التوبة ٤٠].
(٣) انظر صحيح البخارى ٩ / ١١٥ ، وصحيح مسلم ١ / ١٣٨ فقد وضحا الأقوال المأثورة التى تدل على إصرار أبى بكر ـ رضي الله عنه ـ على قتال المرتدين.
(٤) قال الشهرستانى فى الملل والنحل ص ٢٣ : مبينا الخلافات التى حدثت فى الملة الإسلامية. «الخلاف الثالث : فى موته عليهالسلام. قال عمر بن الخطاب : من قال إن محمدا قد مات قتلته بسيفى هذا ...» وانتهى الخلاف على يد أبى بكر ـ رضي الله عنه ـ عند ما قرأ قول الله تعالى (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ).