أما من جهة السند : فلأنه آحاد ، ونص التوريث متواتر ؛ والمتواتر أقوى من الآحاد.
وأما من جهة المتن : فمن وجهين :
الأول : أن قوله تعالى : (فَلَهَا النِّصْفُ) قاطع فى دلالته على توريث النصف. وقوله ـ عليه الصلاة والسلام : «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة» يحتمل أن يكون المراد به ، لا نورث ما تصدّقنا به ؛ والقاطع راجح على المحتمل.
الثانى : أن آية الميراث مترجحة ، بموافقة قوله تعالى : (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) (١) وقوله ـ تعالى ـ حكاية عن زكريا ـ عليه الصلاة والسلام ـ (يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) (٢) والخبر على خلافه.
قلنا : أما منع كون خبر الواحد حجة ؛ فلا يستقيم لوجهين : ـ الأول : أنّه مجمع على قبوله بين الصحابة ، ويدلّ عليه رجوع الصحابة فى الأحكام الشرعية ، إلى أن أخبار الآحاد من غير نكير منهم ؛ فكان إجماعا (٣).
فمن ذلك رجوع عمر بن الخطاب فى إيجاب غرة الجنين إلى خبر حمل بن مالك (٤).
وفى توريث المرأة من دية زوجها ، إلى خبر الضحاك (٥).
وفى إجراء المجوس على سنّة أهل الكتاب ، إلى خبر عبد الرحمن بن عوف.
وفى وجوب الغسل من التقاء الختانين ، إلى خبر عائشة (٦).
__________________
(١) سورة النمل ٢٧ / ١٦.
(٢) سورة مريم ١٩ / ٦.
(٣) قارن : التمهيد للباقلانى ص ١٦٤ ، والإرشاد للجوينى ص ٢٣٥ والإحكام فى أصول الأحكام للآمدى ٢ / ٢٧٣ وما بعدها : الباب الثالث فى أخبار الآحاد.
(٤) حمل بن مالك : (ويقال له : حملة) كانت له امرأتان. فرمت احداهما الأخرى بحجر فألقت جنينا فقضى رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بغرة عبد ، أو أمة. [أسد الغابة ١ / ٥٣٥].
(٥) انظر الإحكام فى أصول الأحكام للآمدى ٢ / ٢٧٣ وما بعدها. والضحاك : هو أبو سعيد الضحّاك. نجدى. ولاه رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أمر مسلمى قومه. وكتب إليه رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أن يورث امرأة من دية زوجها. توفى سنة ١١ ه (الإصابة ٢ / ١٩٨ ، أسد الغابة ٢ / ٤٢٩).
(٦) فى صحيح مسلم ١ / ١٨٧ عن عائشة رضى الله عنها : (قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إذا جلس بين شعبها الأربع ومسّ الختان الختان ، وجب الغسل».