كيف وأن حمل الخبر على ما قيل ممّا يبطل فائدة تخصيص النبيين بالذكر ، من حيث أن غيرهم مشارك لهم فى ذلك بالإجماع.
قولهم إن الآية مترجحة ؛ لموافقة قوله تعالى : (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) (١) وقول زكريا : (يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) (٢).
قلنا : يحتمل أن يكون المراد به وراثة العلم ، ووراثة العلم سابقة ؛ لقوله تعالى / (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا) (٣) وقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ «العلماء ورثة الأنبياء» (٤) ويجب الحمل على هذا المعنى الأمور أربعة :
الأول : ما فيه من الجمع بين الأدلة بأقصى الإمكان.
الثانى : أن قوله تعالى : (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) إنما ذكره فى معرض التعظيم له ، والإجلال لشأنه ؛ وذلك إنما يليق بوراثة العلم ، لا بوراثة المال.
الثالث : أنه قد كان لداود أولاد أخر لم يذكرهم ، ولو كان المراد به وراثة المال ؛ لما اختص به سليمان دونهم.
الرابع : قول سليمان : (يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ) (٥) ؛ وذلك دليل [على] (٦) أنه أراد بالميراث ، العلم دون غيره ، ولما كانت وراثة العلم أشرف من وراثة المال ؛ فيجب أيضا حمل قول زكريا عليه.
كيف وأنه قد قيل : إن زكريا كان رجلا فقيرا ، لا مال له غير قدوم ، ومنشار ، وليس ذلك ممّا يعظم عند نبى كريم ، حتى أنه يطلب حرمان مستحقيه عنه ؛ فتعين أن يكون المراد به ، وراثة العلم ، ولا يلزم من كونه طلب ولدا يرث علمه ، أن يكون قد بخل بوصول علمه إلى غير ولده ؛ ليكون حراما ؛ فإنه لا يمتنع مع ذلك أن يكون ولده ، وغير ولده وارثا لعلمه.
__________________
(١) سورة النمل ٢٧ / ١٦.
(٢) سورة مريم ١٩ / ٦.
(٣) سورة فاطر ٣٥ / ٣٢.
(٤) رواه البخارى فى صحيحه «وإن العلماء هم ورثة الأنبياء ورّثوا العلم من أخذه أخذ بحظ وافر ، ومن سلك طريقا يطلب به علما ، سهل الله له طريقا إلى الجنة). كتاب العلم ـ باب العلم قبل القول والعلم ـ (١ / ١٩٢). وقارن بلفظ متقارب بمسند أحمد / ١٩٦ ، وسنن الدارمي ١ / ٩٨.
(٥) سورة النمل ٢٧ / ١٦.
(٦) ناقص من (أ).