وأيضا ما روى عن عبد الله بن زمعة (١) أنه قال : «جاء بلال فى أول ربيع الأول فأذن بالصلاة فقال رسول الله : مروا أبا بكر يصلّى بالناس ، فخرجت ؛ فلم أر بحضرة الباب إلا عمر فى رجال ليس فيهم أبو بكر ، فقلت : قم يا عمر فصلّ بالناس ؛ فقام عمر ؛ فلما كبّر وكان رجلا صيّتا ، فلما سمع رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ صوته بالتكبير ، فقال : أين أبو بكر ، يأبى الله ذلك ، والمسلمون ، ثلاث مرات ، مروا أبا بكر فليصل بالناس. فقالت عائشة : يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق القلب إذا قام فى مقامك غلبه البكاء ؛ فقال : أنتن صويحبات يوسف ، مروا أبا بكر فليصل بالناس» (٢).
وأيضا ما روى المغيرة عن إبراهيم أنه قال : «صلّى النبي خلف أبى بكر». وأيضا ما روى عن ابن عباس أنه قال «لم يصل النبي عليهالسلام خلف أحد من أمته إلا خلف أبى بكر ، وصلّى خلف عبد الرحمن بن عوف ركعة» (٣).
وأيضا ما روى عن رافع (٤) بن عمرو عن أبيه أنه قال : «لما ثقل / النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ عن الخروج ، أمر أبا بكر أن يقوم مقامه ؛ فكان يصلى بالناس ، وكان النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ربّما خرج بعد ما يدخل أبو بكر فى الصلاة ؛ فيصلى خلفه ، ولم يصل النبي خلف أحد غيره. غير ركعة صلاها فى سفر خلف عبد الرحمن بن عوف».
ولا يخفى أن التولية فى الصلاة تولية فى القراءة ، وغيرها (٥).
ثم وإن سلمنا مع الاستحالة أنه لم يولّه شيئا فى حياته ؛ فليس فى ذلك ما يدل على أنه لم يكن أهلا للإمامة ؛ فإنه لم ينقل أنه ولى الحسن شيئا فى حال حياته ؛ وهو عندهم أهل للإمامة.
قولهم : إنه عزله عن قراءة سورة براءة ، لا نسلم ذلك ؛ بل المروى أنه ولّاه الحج ، وردفه بعلى لقراءة سورة براءة ، وقوله : «لا يؤدى عنى إلا رجل منى».
__________________
(١) عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد ، قتل مع عثمان ـ رضي الله عنه ـ يوم الدار [الإصابة ٢ / ٣٠٣ ، تهذيب التهذيب ٥ / ٢١٨].
(٢) ورد بألفاظ متقاربة فى مسند الإمام أحمد ٤ / ٤١٢ ، ٤١٣ ، وصحيح البخارى ١ / ١٦٩ ، ١٧٢ ، وصحيح مسلم ٢ / ٢٠ ـ ٢٥ ، وسنن الترمذي ٥ / ٦١٣.
(٣) رواه مسلم ١ / ١٥٩ ، ٤ / ٢٤٨ ، ٢٤٩ ، كما ورد فى سنن ابن ماجة ١ / ٣٩٢.
(٤) رافع بن عمرو : هو رافع بن عمرو بن حارثة المزنى ، له صحبة ، روى عن الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ولقب برافع الخير.
[طبقات ابن سعد ٦ / ٦٧ ، وتهذيب التهذيب ٣ / ٢٣١].
(٥) قارن بما ورد فى المغنى ٢٠ / ١ / ٣٥١.