الفصل الثانى
فى تحقيق معنى الكفر شرعا
والكفر فى اللّغة : مأخوذ من الكفر وهو السّتر ، ومنه تقول العرب : كفر درعه بثوب : أى ستره ، ومنه قولهم : للرماد مكفورا. إذا اسفت عليه الريح التّراب ، وللزّارع كافر ؛ لأنه يستر البذر بالتّراب عند حراثته ، ويقال للّيل كافر : لستره ما يكون فيه ، ويقال للبحر كافر : لانه إذا طمى ستر الجزائر وغطّاها ، وقد يطلق الكفر فى اللّغة على ضدّ الإيمان ، حتى أنه يقال : لمن كذب بشيء ، كفر به ، كما يقال لمن صدق بشيء آمن به (١).
وأما فى اصطلاح المتكلمين : فقد اختلفوا فيه على حسب اختلافهم فى الإيمان : فمن قال الإيمان بالله هو معرفته ؛ قال الكفر هو الجهل بالله ـ تعالى ـ وهو غير منعكس على المحدود ، وشرط الحدّ : أن يكون مطردا منعكسا حتى لا يكون الحدّ أعمّ من المحدود ، ولا المحدود أعم من الحد كما سبق تعريفه (٢).
وبيان أنه غير منعكس : أن جحد الرسالة ، وسبّ الرسول عليهالسلام ، والسجود للصنم ، وإلقاء المصحف فى القاذورات ، كفر بالإجماع ، وليس هو جهلا بالله ـ تعالى ـ ؛ فإنه قد يصدر ذلك من العارف بالله ـ تعالى ـ والجاهل بالدلالة على العلم ، بامتناع هذه الأمور ، أو مع المعرفة بها ؛ فلا يكون فعل هذه الأمور دالا علي الجهل بالله ـ تعالى ـ.
ومن قال الإيمان هو الطاعات : كالمعتزلة. وبعض الخوارج قال : الكفر هو المعصية لكن اختلفوا : فقالت الخوارج : كل معصية كفر.
__________________
(١) انظر المعجم الوسيط باب الكاف ص ٧٩١ وما بعدها. ففيه معلومات مهمة تؤكد صحة ما أورده الآمدي قارن ما ذكره الآمدي عن معنى الكفر بما ورد عن كل من : الشهرستانى فى نهاية الاقدام ص ٤٧٢. وأصول الدين للبغدادى ص ٢٤٨ وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٥١ وما بعدها.
(٢) انظر ما مر ل ٣٢ / أمن القاعدة الثالثة.
الباب الأول : فى الحد ـ الفصل الثالث : فى شرط الحد ، وما يجتمع جملة أقسام الحدود فيه ، وما لا يجتمع.
قال الآمدي : «وشرط الحد على اختلاف أقسامه : أن يكون جامعا : لا يخرج عنه شيء من المحدود. مانعا : لا يدخل فيه ما هو خارج عن المحدود. فإنه إذا لم يكن جامعا : كان المحدود أعم من الحدّ. وإذا لم يكن مانعا : كان الحد أعم من المحدود. وعلى كلا التقديرين : لا يكون الحدّ مميزا للمحدود ، ولا معرفا له»