قلنا : إنما كان كذلك ؛ لأنه كان من عادة العرب أنهم إذا أرادوا نبذ العهود ، والمواثيق لا يفعل ذلك إلا صاحب العهد ، أو رجل من بنى أعمامه ؛ فجرى رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ على سابق عهدهم.
قولهم : إنه عزله عن الصلاة ، غير صحيح بدليل ما ذكرناه من الروايات الصحيحة ، وكل ما يقال فى ذلك ، فإنما هو من الأكاذيب التى لا تثبت لها عند المحصلين من أرباب النقل ؛ بل الصحيح ما رواه الزهرى عن أنس بن مالك أنه قال : «صلى أبو بكر صبيحة اثنتى عشرة ، فخرج النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ والناس فى صلاة الصبح عاصبا رأسه حتى وقف على باب حجرة عائشة ، فلما رآه الناس تحوّزوا ، وذهب أبو بكر يستأخر ؛ فأشار إليه النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أن صلّ ؛ فصلوا وعاج وانصرف» (١).
قولهم : إن شرط الإمام أن يكون معصوما ؛ فقد أبطلناه فيما تقدم (٢).
قولهم : إنه قال : «إن لى شيطانا يعترينى» (٣) لا يمكن حمله على أنه كان به خبل مع ما بيّناه من عقله وفضله وسياسته ، وطواعية الناس له.
وإنما معناه : أنه يلحقنى وساوس ، وذهول ، على سبيل التواضع ، وكسر النفس ، وما من أحد إلا وله شيطان بهذا الاعتبار ، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام : «وما منكم إلا وله شيطان يعتريه ، قيل وأنت يا رسول الله ، قال وأنا ، إلا أن الله أعاننى عليه» (٤) ؛ وليس المراد به إلا ما ذكرناه.
قولهم : إنه خالف أمر رسول الله ؛ لا نسلم ذلك.
قولهم : إن عمر كان فى جيش أسامة.
قلنا : غايته أنه كان داخلا فيه نظرا إلى عموم أمر الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ وكان ذلك لإصلاح الدين ، ولعله رأى أن المصلحة فى إقامة عمر فى المدينة أكثر للدين ، وتخصيص العموم بالرأى جائز عنده ، وعلى أصول أهل الحق ، كما فى علم الأصول //.
__________________
(١) وردت رواية الزهرى عن أنس رضي الله عنه فى صحيح مسلم ٢ / ٢٤.
(٢) انظر ما سبق ل ٢٨٥ / ب وما بعدها.
(٣) انظر ما سبق ل ٢٩٦ / أوما بعدها.
(٤) رواه مسلم ٨ / ١٣٩.
/ / أول ١٧٤ / ب من النسخة ب.