قولهم : إنه سمّى نفسه خليفة رسول الله (١).
قلنا : إنّما سمّى نفسه / بذلك لاستخلافه له فى الصلاة كما قدّمناه ، ولم يكن كاذبا فيه ، ويمكن أن يقال إنه إنما سمى نفسه بذلك ؛ لأنه قام مقام النبي ـ عليهالسلام ـ فيما كان بصدده من إقامة الدين ، وسياسة المسلمين ، بوجه شرعى ، وهو انعقاد الإجماع عليه ؛ فإن كل من قام مقام شخص فيما كان ذلك الشخص بصدده ؛ فإنه يصح أن يقال : خلفه فيه ، ولهذا يصح أن يقال : فلان خليفة فلان فى العلم : أى أنه قائم مقامه فيه ، وإن لم يكن ذلك باستخلاف من ذلك الشخص.
قولهم : إن شرط الإمام أن يكون أفضل الأمة ، ممنوع على ما تقدم.
وإن سلمنا ذلك ؛ فلا نسلم أنه لم يكن أفضل.
وقوله : «ولّيتكم ولست بخيركم أقيلونى» (٢).
قلنا : أما قوله : «وليتكم ولست بخيركم» فيحتمل أنه أراد به التولية فى الصلاة على عهد رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ (٣) ، ومن المعلوم أنه لم يكن خير قوم فيهم رسول الله ، ويكون فائدة ذكر ذلك الاحتجاج على جواز توليته بعد الرسول بطريق التنبيه ، بالأعلى على الأدنى ، ويحتمل أنه أراد بقوله : «لست بخيركم» أى فى العشيرة ، والقبيلة ، فإن الهاشمى ، أفضل من القرشى ، وإن لم يكن شرطا فى الإمامة كما سبق.
وعلى كل واحد من التقديرين يكون صادقا ، ولا ينافى أفضليته.
وأما طلبه القيلولة ، فليس فيه ما يدل على عدم الأهلية أيضا ، ولا سيما مع اتفاق الأمة عليه ، وقولهم. «لا نقيلك ولا نستقيلك رضيك رسول الله لديننا ، أفلا نرضاك لدنيانا» ؛ بل لعل ذلك إنما كان للفرار من حمل أعباء المسلمين ، والتقلد لأمور الدين ، أو للامتحان ليعرف الموافق من المخالف ، أو غير ذلك من الاحتمالات ، ومع ذلك فلا ينتهض ما ذكروه شبهة فى نفى الاستحقاق للإمامة.
قولهم : شرط الإمام أن يكون أعلم الأمة ؛ لا نسلم ذلك ؛ كما تحقق من قبل.
__________________
(١) انظر ما ورد فى المغنى للقاضى عبد الجبار ٢٠ / ٣٥٥ وما بعدها من القسم الأول.
(٢) انظر ما مر ل ٢٩٦ / أوما بعدها.
(٣) قارن بما ورد فى غاية المرام ص ٣٨٩ ، وأصول الدين للبغدادى ص ١٨٢.