ولهذا رجع عليّ فى حكم المذى إلى قول المقداد (١) ، وفى بيع أمهات الأولاد إلى عمر ، وما دلّ ذلك على عدم علمه بأحكام الشريعة.
قولهم : إنه قال : «وددت أنى سألت رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ عن هذا الأمر فيمن هو» (٢).
قولنا : ليس ذلك شكا منه فى صحة إمامته ؛ بل إنما ذلك للمبالغة فى طلب الحق ، ونفى الاحتمال البعيد ؛ فإنه يحتمل أن تكون الإمامة فى نفس الأمر منصوصا عليها ، وإن كان ذلك الاحتمال بعيدا مع جزمه فى الظاهر بنفيه.
قولهم : إن عمر ذمّه بما يقولوه من قصة عبد الرحمن بن أبى بكر ؛ فهو من الأكاذيب الباردة ؛ فإن عاقلا لا يشك فى عقل عمر ، ومعرفته بالأمور ، وهو فإنما كان يستدل على صحة إمامته بعهد أبى بكر (٣) إليه ، فكيف يليق به مع هذا التظاهر بذمّه ، والقدح فيه؟ فإن / / ذلك ممّا يوجب القدح فى إمامته ، وصحة توليته.
قولهم : إنه أنكر عليه ، حيث لم يقتل خالد بن الوليد ، ولم يعزله بقتل مالك بن نويرة ، وتزوجه بامرأته.
قلنا : ليس فى ذلك ما يدل على القدح فى إمامة أبى بكر أيضا ، ولا كان ذلك مقصودا لعمر ؛ لما تقدم ؛ بل إنما أنكر على أبى بكر ذلك ؛ لغلبة ظنّه بخطإ خالد. كما ينكر بعض المجتهدين على بعض (٤) ، وليس فى ذلك ما يدل على خطأ أبى بكر فى ظنّه عدم الخطأ فى حق خالد.
وذلك لأنه قد قيل : إن خالدا إنما قتل مالكا ؛ لأنه تحقق منه الردة ، وتزوج بامرأته فى دار الحرب ؛ لأنه من المسائل المجتهد فيها بين أهل العلم.
وقيل : إن خالدا لم يقتل مالكا ، وإنما قتله بعض أصحابه خطأ (٥) ؛ لظنه أنهم ارتدوا ، وأن خالدا قال للقوم لفظا يريد به تدفئة أسراهم ، وكان ذلك اللفظ فى لغة
__________________
(١) المقداد بن عمرو : هو المقداد بن عمرو بن ثعلبة ، ويعرف بابن الأسود الكندى ، صحابى جليل من السابقين للإسلام توفى بالمدينة فى خلافة عثمان رضي الله عنه [الاستيعاب ١ / ٢٧٩ أسد الغابة ٤ / ٤٧٧].
(٢) راجع ما مر فى ل ٢٦٩ / أوما بعدها.
(٣) انظر غاية المرام للآمدى ص ٣٨٩ ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٣٠٢ ، ٣٠٣.
/ / أول ل ١٧٥ / أ.
(٤) قارن به المغنى للقاضى عبد الجبار ٢٠ / ١ / ٣٥٤ ، والمواقف ص ٤٠٣ وشرح المواقف الموقف السادس ص ٣٠٢.
(٥) ورد فى تاريخ الطبرى ٣ / ٢٨٠ «وكان الّذي قتل مالك بن نويرة عبد الأزور الأسدى ، وقال ابن الكلبى : الّذي قتل مالك بن نويرة ضرار بن الأزور».