المخاطب معناه اقتلوهم ، فظن ذلك الشخص أنه قد أمر بقتل الأسارى ؛ فقتل مالكا (١). ولم يبق إلا تزويجه بامرأته ، ولعلها كانت مطلقة منه ، وقد انقضت عدتها.
وقوله عمر : «إن بيعة أبى بكر كانت فلتة وقى الله شرّها» (٢) فلا ينبغى أن يحمل ذلك على أن بيعته لم تكن صحيحة ، ولا مجمعا عليها ، وإلا كان ذلك قدحا فى إمامة / نفسه ، كما تقدم ، وهو غاية الخرق ، فلا يليق نسبته إليه ؛ بل المراد بقوله : فلتة : أى بغتة فجأة.
وقوله : «وقى الله شرّها» أى : شرّ الخلاف الّذي كاد أن يظهر عندها ، بين المهاجرين ، والأنصار ، وقول الأنصار : «منّا أمير ، ومنكم أمير» لا أن البيعة كانت شرا ، وذلك أنه قد يضاف الشيء إلى الشيء إذا ظهر عنده ، وإن لم يكن منه ، كقوله تعالى : (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) (٣) وأضاف (٤) المكر إلى الليل ، والنهار (٤) ، وليس المكر منهما ؛ بل يظهر عندهما منه.
وقوله : «فمن عاد إلى مثلها قاتلوه» أى إلى مثل الخلاف الموجب لتبديل الكلمة كقول الأنصار : «منّا أمير ، ومنكم أمير».
قولهم : لا نسلم إجماع الأمة (٥) على عقد الإمامة له.
قلنا : دليله ما سبق. ومن تأخر عن بيعته مثل عليّ وغيره ، لم يكن عن شقاق ، ومخالفة ، وإنما كان لعذر وطرو أمر (٦). ولهذا اقتدوا به ، ودخلوا فى آرائه ، وأخذوا من عطائه ، وكانوا منقادين له فى جميع أوامره ، ونواهيه ، معتقدين صلاحيته ، وصحة بيعته حتى قال عليّ : «خير هذه الأمة بعد النبيين أبو بكر ، وعمر» (٧) على ما تقدم ذكره.
__________________
(١) ورد فى تاريخ الطبرى ٣ / ٢٨٨ «فجاءته الخيل بمالك بن نويرة فى نفر معه ... فلما اختلفوا فيهم أمر بهم فحبسوا فى ليلة باردة ... فأمر خالد مناديا ينادى : ادفئوا أسراكم ، وكانت فى لغة كنانة إذا قالوا : دثروا الرجل فادفئوه ، دفئة : قتله ، وفى لغة غيرهم أدفه فاقتله ، فظن القوم أنه أراد القتل فقتلوهم».
(٢) راجع بشأنه ما مر فى هامش ل ٢٩٦ / ب.
(٣) سورة سبأ ٣٤ / ٣٣.
(٤) وأضاف المكر إلى الليل والنهار) ساقط من ب.
(٥) قارن بما ورد فى غاية المرام للآمدى ص ٣٨٩.
(٦) ورد فى المصنف ٥ / ٤٥٠ «لما بويع لأبى بكر تخلف على عن بيعته ، فلقيه عمر ، فقال : تخلفت عن بيع أبى بكر ، فقال : إنى آليت بيمين حين قبض رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ألا ارتدى برداء إلا إلى الصلاة المكتوبة ، حتى أجمع القرآن ، فإنى خشيت أن يتفلت القرآن ثم خرج فبايعه».
(٧) انظر ما مر فى هامش ل ٢٧٩ / ب.