وأما المعتزلة : فإنهم قسموا المعاصى إلى :
معصية هى كفر : وهى كل معصية تدل على الجهل بالله ـ تعالى ـ كسبّ الرسول ـ عليهالسلام ـ والقاء المصحف فى القاذورات.
وإلي معصية لا توجب اتصاف فاعلها بالكفر ، ولا بالفسوق ، ولا يمتنع معها الاتصاف بالإيمان : كالسفة ، وكشف العورة ، إلى غير ذلك.
وإلى / معصية توجب الخروج من الإيمان ، ولا توجب الاتّصاف بالكفر ؛ بل بالفسوق والفجور : كالقتل العمد العدوان ، والزنا ، وشرب الخمر ، ونحوه فصاحبها فى منزلة بين المنزلتين : أى ليس بكافر ، ولا مؤمن. وأول من أحدث هذا المذهب واصل بن عطاء (١) وعمرو بن عبيد (٢). وطريق الرد على هؤلاء إنما هو ببيان أن كل معصية لا تدل على تكذيب الرسول فيما جاء به ؛ فإنها لا تكون كفرا على ما سيأتى تحقيقه فى الفصل الّذي بعده (٣).
وربّما قالت المعتزلة : الكفر عبارة عن فعل قبيح ، أو إخلال بواجب يستحق عليه أعظم العقاب ؛ وهو فاسد.
أما أولا : فلأنه مبنى على فاسد أصولهم ، فى استحقاق العقاب على المعاصى وهو باطل كما سبق (٤)
وأما ثانيا : فلأن انواع الكفر متفاوتة فى العقوبة ، فعقوبة الشّرك بالله تعالى ، وسبّه ، أعظم من عقوبة إنكار الرسالة ، وعقوبة إنكار الرّسالة أعظم من عقوبة الاستخفاف بالرّسول ، وهذا يوجب أن لا يكون إنكار الرسالة ، والاستخفاف بالرسول كفرا ، إذ لا يستحق عليه أعظم العقاب ؛ لأن عقاب الشّرك بالله ـ تعالى ـ ، وسبّ الله ـ تعالى ـ أعظم منه.
__________________
(١) انظر عنه وعن آرائه ما سيأتى ل ٢٤٤ / أوما بعدها.
(٢) انظر عنه وعن آرائه ما سيأتى ل ٢٤٤ / ب وما بعدها.
(٣) ولمزيد من البحث انظر شرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٥١ وما بعدها. شرح المقاصد للتفتازانى ٢ / ٢٥١ وما بعدها. ومن كتب المعتزلة : شرح الأصول الخمسة للقاضى عبد الجبار ص ٦٩٥ وما بعدها وللمقارنة انظر شرح العقيدة الطحاوية لابن أبى العز الحنفى ، فقد ذكر آراء الفرق ، وناقشها ، ورد عليها بالتفصيل ص ٤١٣ وما بعدها.
(٤) انظر ما مر ل ٢٢٣ / ب وما بعدها.