وأما أنّ النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ مات غير راض عنه : فيدل عليه ما روى عن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أنه يوم ثقل قال «ائتونى بصحيفة ودواة أكتب لكم كتابا لا تختلفوا بعده ، وأغمى عليه ، فقال عمر : إنه ليهجر ، حسبنا كتاب الله ، وسنة رسوله ، فلما أفاق قالوا : يا رسول الله ، ألا نأتيك بالصحيفة ، والدّواة التى طلبت ؛ لتكتب لنا ما لا نختلف بعده.
فقال : الآن بعد ما قلتم يهجر» (١) ولم يفعل ؛ وذلك يدل دلالة قاطعة ، على عدم رضاه عنه.
والجواب قولهم : إنّ طلحة خالف ، لا نسلم أن طلحة كان منكرا لصحة العهد ، وصحة إمامة عمر ؛ بل غايته أنه نقم ما كان يتوهمه من فظاظته ، وغلطته لا غير ، ولهذا فإنه لم يزل متبعا له ، مقتديا به ، آخذا لعطائه ، وداخلا فى رأيه ، معينا له فى قضاياه ، وذلك كله مع إنكار صحة إمامته بعيد (٢).
وأما دعوى مخالفة عليّ ، وشيعته فى ذلك : فجوابه بما سبق فى إمامة أبى بكر رضي الله عنه.
قولهم : إنه لم يكن أهلا للإمامة ؛ لا نسلم ذلك ، ودليله الإجمال والتفصيل. كما سبق فى حق أبى بكر.
وأما ما ذكروه فى الدلالة على إبطال أهليته ؛ فباطل من جهة الإجمال ؛ والتفصيل.
أما الإجمال : فهو أنه قد ورد فى حقه من النصوص ، والأخبار ما يدرأ عنه ما قيل عنه من الترهات ، وهى وإن كانت أخبارها آحادا ، غير أن مجموعها ينزل منزلة التواتر ، فمن ذلك قوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «إن من أمتى لمحدثين وإن عمر منهم» (٣) ، وقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «اقتدوا باللّذين من بعدى أبى بكر ، وعمر» (٤).
__________________
(١) ورد بألفاظ مختلفة فى البخارى ١ / ٣٩ ، ٥ / ١١ ، ١٢ ، وفى المصنف ٥ / ٤٣٨ ، ٤٣٩.
(٢) قارن هذا الرد بما ورد فى التمهيد للباقلانى ص ١٩٧ ، ١٩٨ ، والمغنى للقاضى عبد الحبار ٢٠ / ٢ / ٨.
(٣) قارن بما ورد فى صحيح البخارى ٥ / ٢١٥ «لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدثون فإن يك فى أمتى أحد فإنه عمر» وقارن به مسند أحمد ٦ / ٥ ، وصحيح مسلم ٧ / ١١٥ ، وسيرة عمر ص ١٨.
(٤) راجع ما مر هامش ل ٢٦٨ / ب.