وقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ فى حق أبى بكر ، وعمر ـ رضى الله عنهما ـ : «هما سيدا كهول أهل الجنة» (١) ، وقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «لو لم أبعث ، لبعثت يا عمر» (٢).
فإن قيل : فى متن هذا الحديث ما يدل على ضعفه ؛ لأنه لو صحّ ؛ لكانت بعثة النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ نقمة فى حق عمر لا نعمة ، حيث أن ببعثته امتنع عليه الوصول إلى أعلى الرتب ، وهى رتبة النبوة ، وهو على خلاف قوله ـ تعالى ـ : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) (٣).
قلنا : أما أولا ، فلا نسلم صيغة العموم فى العالمين ، كما عرف من أصلنا وإن سلمنا صيغة العموم ، غير أنها مخصوصة بالكفار ، فإنهم من العالمين ولم تكن / رسالته رحمة لهم ؛ بل زيادة فى النقمة عليهم ، حيث كفروا به ، والعام بعد التخصيص ، لا يبقى حجة ؛ لما تقدم تقريره.
وإن سلمنا أنه يبقى حجة ؛ فلا نسلم أن رسالته ، ليست رحمة لعمر.
قولهم : لأنه فات عليه بسبب ذلك أعلى المراتب.
قلنا : وفوات أعلى المراتب عليه لا ينافى وجود أصل الرحمة بإرسال النبىّ فى حقه.
وأيضا ما روى «أن جبريل نزل على محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وقال له : يا محمد ، ربك يقرئك السلام ويقول لك : أقرئ عمر السلام وقل له : أهو راض عنى ، كرضائى عنه» (٤) ، وهذا وإن كانت صورته صورة الاستفهام غير أن معناه للتقرير ؛ فلا يكون ممتنعا فى حق الله ـ تعالى ـ كما فى قوله ـ تعالى : (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى) (٥).
__________________
(١) راجع ما سبق هامش ل ٢٧٩ / ب.
(٢) ورد بلفظ مقارب فى مسند الإمام أحمد ٤ / ١٥٤ ، وأسد الغابة ٣ / ٦٥٨ وسيرة عمر ص ٢٤ ، كما ورد فى الموضوعات لابن الجوزى ١ / ٣٢٠ وقد خرجه من طريقين وقال : «هذان حديثان لا يصحان عن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أما الأول ـ يقصد المتهمين فيه ـ يحيى كان من الكذابين الكبار قال ابن عدى : كان يضع الحديث.
وأما الثانى : فقال أحمد : ويحيى بن عبد الله بن واقد ليس بشيء ، وقال عنه النسائى متروك الحديث.
(٣) سورة الأنبياء ٢١ / ١٠٧.
(٤) ورد فى تاريخ الخلفاء للسيوطى ص ٩٣ وأخرج الطبرانى فى الأوسط عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ قال : «جاء جبريل إلى النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فقال أقرئ عمر السلام ، وأخبره أن غضبه عز ، ورضاه حكم». قارنه بما ورد فى سيرة عمر ص ٢٣ ، والصواعق المحرقة ص ١٤٨ ، ومجمع الزوائد ٢ / ٦٩ وقال فيه : «وفيه خالد بن زيد العمرى وهو ضعيف».
(٥) سورة طه ٢٠ / ١٧.