قلنا : لأن السلام ليس واجبا ؛ بل غايته أنه يكون مندوبا ، ومن ترك مندوبا لا يعد مخطئا ؛ فإن استيعاب الأوقات بالعبادات مندوب ، وتارك ذلك ، لا يعد مخطئا ، وإلا كان النبي فى كل وقت لا يؤدى فيه عبادة تطوعا مخطئا ؛ وهو ممنوع (١).
قولهم : إنه كان شاكا فى دين الإسلام ، معاذ الله أن يكون ذلك منه مع ما بينّاه من الفضائل الواردة فى حقه ، وإجماع الأمة على إمامته ، وما ظهر منه من حسن سيرته ، وتصلبه فى إقامة الدين ، وتورعه ، الّذي ما سبقه ، ولا لحقه [فيه] (٢) أحد من المسلمين كما بينّاه.
وما ذكروه عنه من تلك الأقوال الشنيعة ، والأحاديث الفظيعة ، فمن أكاذيب أعداء الدين ، وتشنيعات الملحدين ، قصدا لهضم الإسلام فى أعين الضعفاء بالقدح فيمن كان عماد الإسلام ، وبه قوام الإسلام ابتداء وانتهاء ، بدليل قوله ـ صلىاللهعليهوسلم : «اللهم أيد الإسلام بأبى جهل ، أو بعمر بن الخطاب» (٣).
قولهم : إنه [كان] (٤) شاكا فى إسلام نفسه بسؤاله لحذيفة بن اليمان ؛ فقد سبق جوابه.
قولهم : إن النبي ـ عليهالسلام ـ مات وهو غير راض عنه ؛ لا نسلم.
وكيف يكون ذلك مع ورود ما ورد عنه فى مناقبه ، وتحقيق فضائله ، كما تقدم تحقيقه!.
وأما قضية الدواة ، والصحيفة : فلا نسلم أن عمر كان القائل عن النبي ـ عليهالسلام ـ أنه يهجر ؛ بل الّذي رواه ابن عباس أن القائل لذلك واحد من أهل البيت ، يعنى الحاضرين ، ولم يعيّن عمر.
وإن سلمنا أن القائل لذلك عمر ؛ فمعناه أن الألم والوجع قد غلب على رسول الله ، وغيّب صوابه ، فكيف يكتب ، وليس فى ذلك ما يوجب سخط النبي عليه.
__________________
(١) قارن بما ذكر هنا من خطئه فى صورة الإنكار من ثلاثة أوجه. ورد الآمدي عليه بما ذكره القاضى عبد الجبار فى المغنى ٢٠ / ١٤ من القسم الثانى.
(٢) ساقط من (أ).
(٣) ورد فى سنن الترمذي ٥ / ٦١٧ «اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك ، بأبى جهل أو بعمر بن الخطاب قال : وكان أحبهما إليه عمر» وفى مسند أحمد ١ / ٤٥٦ «اللهم أيد الإسلام بعمر». وفضائل عمر رضي الله عنه لا ينكرها إلا جاحد ، أو صاحب هوى. فقد رويت فى فضله عشرات الأحاديث. ذكر بعضها الإمام السيوطى فى كتابه تاريخ الخلفاء ص ٩١ : «فصل فى الأحاديث الواردة فى فضله غير ما تقدم فى ترجمة الصدّيق» فارجع إليه.
(٤) ساقط من أ.