ثم اتفق المسلمون / / بعده على عثمان ؛ لاستجماعه شرائط الإمامة ، وتحقيقها على ما قررناه فى حق أبى بكر.
وكان مع ذلك له من الفضائل المأثورة ، والمناقب المشهورة ما لا خفاء به ؛ فإنه جهّز جيش العسرة ، وسبّل بئر رومة (١) ، وزاد فى مسجد رسول الله ، وجمع النّاس على مصحف واحد (٢) ، عند ما كاد وقوع الاختلاف بين الناس فى القرآن ، واختيار النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ له فى تزويج ابنتيه ، وقوله عليهالسلام له لمّا ماتت الثانية : «لو كان لنا ثالثة لزوجناك» (٣).
وما اشتهر من كف النبي رجله عند دخول عثمان عليه ، وقوله فى حقه : «كيف لا أستحي ممّن تستحى منه الملائكة» (٤).
وقوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «وزنت بأمتى ، فوضعت فى كفة ، وأمتى فى كفة ؛ فرجحت بأمتى. ثم وضع أبو بكر مكانى ؛ فرجح بأمتى ؛ ثم وضع عمر مكانه فرجح بهم ، ثم وضع عثمان مكانه ؛ فرجح بهم ؛ ثم رفع الميزان» (٥).
وكان مع ذلك كله من الزهاد العباد المتهجدين يختم القرآن فى كل ليلة بركعة واحدة ، حتى نزل فى حقه قوله تعالى : (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً) (٦) الآية. وقال فيه حسان (٧) بعد قتله فى أبيات قصيدة مطولة :
ضحّوا بأشمط عنوان السّجود به |
|
يقطّع الليل تسبيحا وقرآنا (٨) |
فإن قيل : كيف يمكن أن يقال : جعل الإمامة شورى بين الستة المذكورين [وعيّنهم] (٩) دون غيرهم مع أنه قدح فى كل واحد منهم (١٠)؟.
__________________
/ / أول ل ١٧٨ / ب.
(١) بئر رومة (بضم الراء وسكون الواو وفتح الميم) وهى فى عقيق المدينة (انظر معجم البلدان ٢ / ٤).
(٢) راجع عن مناقبه. تاريخ الخلفاء للسيوطى ص ١١٨ ـ ١٣١.
(٣) ورد بألفاظ متقاربة فى طبقات ابن سعد ٣ / ٥٦ ، وتاريخ الخلفاء للسيوطى ص ١٢١.
(٤) ورد بألفاظ متقاربة فى صحيح مسلم ٧ / ١١٧ وتاريخ الخلفاء ص ١٢٢.
(٥) ورد بألفاظ متقاربة فى مسند أحمد ٤ / ٦٣ ، ٥ / ٤٤ ، وسنن أبى داود ٢ / ٢١٣.
(٦) سورة الزمر ٣٩ / ٩. وانظر لباب النقول للسيوطى ص ١٨٤ حيث ذكر أربع روايات فى سبب نزول هذه الآية الكريمة الرواية الأولى منها : عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال : نزلت فى عثمان بن عفان» وهذه الرواية تتفق مع ما ذكره الآمدي.
(٧) حسان بن ثابت ـ هو أبو عبد الرحمن حسان بن ثابت بن المنذر الأنصارى شاعر الرسول ـ عليهالسلام ـ وهو من الشعراء المخضرمين توفى بالمدينة المنورة فى خلافة على رضي الله عنه ـ (الإصابة ١ / ٣٢٥).
(٨) وهذا البيت ورد فى ص ٢١٦ فى ديوان : حسان بن ثابت رضي الله عنه.
(٩) ساقط من أ.
(١٠) قارن بما ورد فى المغنى ٢٠ / ٢٠ من القسم الثانى.