فإن قيل : سلمنا دلالة ما ذكرتموه على كونه أهلا للإمامة ؛ لكنه معارض بما يدل على عدمها ، وبيانه من وجهين : ـ
الأول : أنه مالأ على قتل عثمان ، مع اتفاق الأمة على تحريم قتله ، ويدل عليه قول عليّ وقد سئل : هل قتلت عثمان؟ قال : «الله قتله ، وأنا معه» (١). وروى أنه قال :
«دم عثمان فى جمجمتى هذه (٢).
والّذي يؤكد ذلك أن قتلة عثمان كانوا فى عسكره وكان قادرا عليهم ولم يقتلهم ؛ بل كانوا عضّاده ، وأنصاره وبطانته ، ولذلك كتب إليه معاوية كتابا ومن جملته : «إنك رضيت بقتل عثمان لأنك قبّحت ذكره ، وألّبت عليه الناس حتى جاءوا من هنا ، ومن هاهنا ، ولو أنك قمت على بابه مقام صدق ، ونهنهت عنه بكلمة رجعوا.
والدليل عليه أن قتلته أعضادك ، وأنصارك ، وبطانتك ، فإن قتلتهم عنه أجبناك ، وأطعناك ، وإن لم ، فو الله الّذي لا إله إلا هو لنطلبنّ قتلة عثمان فى البرّ ، والبحر» (٣).
الثانى : أن الخوارج كفّرته ؛ حيث أنه حكّم الرجال ، ولم يحكم بكتاب الله وسنة رسوله (٤) ، وقد قال تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) (٥).
[وإن] (٦) سلمنا أنه كان أهلا للإمامة ؛ لكن لا نسلم إجماع الأمة على / عقد الإمامة [له] (٧) ، ويدل عليه أمران : ـ
الأول : أنه روى أن طلحة ، والزبير ، وهما من أجلاء الصحابة ، ومن جملة العشرة المقطوع لهم بالجنة ، تخلفا عن بيعته (٨) ، وأنهما أخرجا من منزليهما مكرهين ، وقد أحاط بطلحة أهل البصرة ، وبالزبير أهل الكوفة ، وجىء بهما إلى عليّ فبايعاه مع الكراهة (٩). ولذلك نقل عن طلحة بعد ذلك أنه قال : «بايعته أيدينا ، ولم تبايعه قلوبنا» ، ولهذا فإنهما خرجا عليه ، وقاتلاه بالبصرة ؛ فقتلا.
__________________
(١) راجع هذا القول فى وقعة صفين ص ٦٣ ، والتمهيد للباقلانى ص ٢٣٥ ـ ٢٣٦.
(٢) راجع التمهيد للباقلانى ص ٢٣٦.
(٣) ورد بألفاظ قريبة فى : وقعة صفين ص ٨٧ ، والعقد الفريد ٥ / ٩١ ـ ٩٢.
(٤) راجع فى هذه المسألة (تكفير الخوارج للإمام على ـ كرم الله وجهه ورضى عنه).
مقالات الإسلاميين للأشعرى ص ٦ ، ص ٤٥٢ ، والمغنى ٢٠ / ٢ / ٩٥ ـ ١١١.
(٥) سورة المائدة ٥ / ٤٤.
(٦) ساقط من (أ).
(٧) ساقط من (أ).
(٨) راجع ما ورد فى التمهيد للباقلانى ص ٢٣٠ وما ورد فى المغنى ٢٠ / ٢ / ٦١.
(٩) راجع ما ورد فى تاريخ الطبرى ٥ / ٤٣٤ ، ٤٣٥.