الثانى : أن جماعة من سادات الصحابة ، وأجلائهم : كعبد الله بن عمر ، وسعد ، ومحمد بن مسلمة الأنصارى ؛ لم يعاضدوه على أعدائه ، ولم يوافقوه فيما عرض له من مهامه (١).
ولو كان ممن انعقدت إمامته ؛ لما تخلفوا عن نصرته ، ولما تأخروا عن معاضدته ، كما كان حالهم بالنسبة إلى من تقدم من الخلفاء الراشدين ؛ لعلمهم أنّ ذلك من الواجبات ، وأن التّخلف عنه من المحرّمات.
والجواب : قولهم : إنه مالأ على قتل عثمان. لا نسلم ، وذلك فإنه قد / / روى عنه ـ عليهالسلام ـ أنه قال : «والله ما قتلته ، ولا مالأت على قتله» (٢) ، وأنه أنفذ إليه الحسن ، والحسين يستأذنه فى نصرته ، فقال عثمان : «لا حاجة لى فى ذلك» ، وقوله : «والله قتله وأنا معه» ، لم يرد به أنه أعان على قتله بوجه من الوجوه ؛ بل معناه : والله يقتلنى معه ، وإنما ذكر مثل هذا اللفظ الموجه إرضاء للفريقين ومداراة للحزبين ، حتى لا يختل عليه الأمر ، ويتشوش الحال.
وقوله : «دم عثمان فى جمجمتى» أمكن أن يكون على طريق الاستفهام ومعناه : أتظنون أن دمه فى جمجمتى ، وأمكن أن يكون معلقا بشرط فى نفسه وتقديره : إن لم أستوفه مع القدرة عليه ، ويجب الحمل على ذلك جمعا بينه وبين إنكاره ، والحلف عليه (٣).
قولهم : إنه كان قادرا على قتل من قتل عثمان ، ولم يقتلهم به.
قلنا : إنما لم يقتلهم ؛ لأنه قد روى أنه كان يقول : «ليقم قتلة عثمان ، فيقوم أكثر عسكره» ، فرأى المصلحة فى تأخير ذلك إلى وقت الإمكان ، وأنه لو أقدم على ذلك لتشوش عليه الحال ، واضطرب الأمر ، وآل الحال فى حقه ، إلى ما آل إليه حال عثمان. وأمكن أن يقال : إن قتلة عثمان كانوا جماعة ، ولم يكن ممّن يرى قتل الجماعة بالواحد ، فإن ذلك من المسائل الاجتهادية ، وهو فقد كان من أهل الاجتهاد (٤).
__________________
(١) قارن هذا الطعن بما ورد فى التمهيد للباقلانى ص ٢٣٣ ولمعرفة من تخلف عن نصرته.
انظر تاريخ الطبرى ٤ / ٤٣١ ، ومروج الذهب ٥ / ٩٧.
/ / أول ل ١٨٠ / ب.
(٢) راجع طبقات ابن سعد ٣ / ١٩ ، وشرح النهج ١ / ١٥٨ ، والنهاية فى غريب الحديث ٤ / ٣٥٣.
(٣) قارن بما ورد فى التمهيد للباقلانى ص ٢٣٦.
(٤) ارجع إلى ما ورد فى الفصل ٤ / ١٥٥ ـ ١٥٩ وما ورد فى المغنى ٢٠ / ٢ / ٩٥ ـ ١١١.