فنقول : اعلم أن التفضيل بين الأشخاص. قد يطلق ويراد به اختصاص أحد الشخصين عن الآخر : إمّا بأصل فضيلة لا وجود لها فى الآخر ؛ لكونه عالما ، والآخر ليس بعالم ، أو بزيادة فيها ، كونه أعلم (١).
وقد يطلق ويراد به اختصاص أحد الشخصين بأنه أكثر ثوابا عند الله تعالى من الآخر.
وعلى هذا ، فإن أريد بالتفضيل الاعتبار الأول ؛ فلا يخفى أن دليل ذلك غير مقطوع به ؛ لتعارض أدلته ، وذلك أنه ما من فضيلة تبين اختصاص بعض الصحابة بها ، إلّا وقد يمكن بيان مشاركة الآخر له فيها ، وبتقدير أن لا يشاركه فيها ؛ فقد يمكن بيان اختصاصه بفضيلة أخرى ، معارضة لفضيلته ، ولا سبيل إلى الترجيح بكثرة الفضائل ؛ لاحتمال أن تكون الفضيلة الواحدة أرجح من فضائل. وذلك إما لزيادة شرفها فى نفسها ، أو لزيادة كميتها ، وبالجملة فما يقال فى ذلك ؛ فالظنون فيه متعارضة.
وإن أريد بالتفضيل الاعتبار الثانى : فلا يخفى أن معرفة ذلك ممّا لا يستقل به العقل ، وإنما مستنده الأخبار الواردة من الله ـ تعالى ـ فى ذلك على لسان رسوله ، والأخبار الواردة فى ذلك كلها أخبار آحاد لا تفيد غير الظن ، ومع ذلك فهى متعارضة كما سبق. وليس الاختصاص بكثرة أسباب الثواب ، موجبا لزيادة الثواب قطعا ؛ إذ الثواب بفضل من الله على ما سبق فى التعديل والتجوير (٢) ، وقد يثيب غير المطيع ، ولا يثيب المطيع ؛ بل إن كان ولا بدّ فليس إلّا بطريق الظن ، وعلى هذا. وإن قلنا بأن إمامة المفضول ، لا تصح مع وجود الفاضل ، فليس ذلك ممّ ينتهض الحكم فيه إلى القطع ؛ بل غايته الظن ، فإجماع الأمة على إمامة أحد ، وإن كان قاطعا فى صحة إمامته ؛ فلا يكون قاطعا فى لزوم تفضيله (٣).
ولا خلاف بين أهل الحق أن الأنبياء ، أفضل من الأئمة ، وسائر الأمم. وما ذهب إليه [غلاة] (٤) الروافض من تفضيل عليّ ، على غير محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ من الأنبياء ، فظاهر
__________________
(١) راجع المغنى ٢٠ / ٢ / ١١٥ وما بعدها.
(٢) راجع ما سبق فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ النوع السادس الأصل الأول : فى التعديل والتجوير ل ١٨٦ / ب وما بعدها.
(٣) قارن بما ورد فى الإرشاد للجوينى ص ١٤٢ ، والاقتصاد فى الاعتقاد للإمام الغزالى ص ٢١٩.
(٤) ساقط من «أ».