وأما المعتزلة (١) : فإنهم قسموا المعصية إلى ما يكفر المكلف بها ، وإلى ما يخرجه عن الإيمان من غير اتصاف بكفر ؛ بل بالفسق ، وإلى ما لا يخرجه عن الإيمان ، ولا يستوجب فاعلها مع تجنب الكبائر سمه الفسق.
وأما أصحابنا فإنهم قالوا : من ارتكب كبيرة من أهل الصلاة ، أو داوم على صغيرة ؛ فهو مؤمن ، وليس بكافر ؛ بل فاسق. ومن فعل صغيرة واحدة ؛ فهو عاص ؛ وليس بفاسق.
وإذ أتينا على شرح المذاهب بالتفصيل ؛ فلا بد من إبطال مذاهب المخالفين.
أما الرد على المرجئة : فى قولهم : إنّ مرتكب الكبيرة ليس بفاسق : فهو أنّ ما ذكروه على خلاف إجماع الأمة من السّلف ، والخلف على تسمية مرتكب الكبيرة فاسقا ، واتفاقهم على المنع من قبول شهادته واخباره / كيف وأنّ الفسق لا معنى له غير الخروج / / عن الطّاعة ومنه قوله تعالى : (فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) (٢) : أى خرج عن طاعة أمره. ومرتكب الكبيرة خارج عن الطاعة ، وسواء كان ذلك بترك واجب ، أو فعل محظور.
قولهم : إن الإيمان بالله ـ تعالى ـ يمحص كل ذم ولائمة ؛ فهو باطل بما سبق فى القاعدة السادسة (٣).
قولهم : إنّ من صحّ إيمانه لا يصحّ عليه الرّدة ؛ ليس كذلك. ودليله العقل والنص ، والإجماع.
أما العقل : فهو أنه لا يلزم من فرض ردة المؤمن محال فى ذاته ، ونفسه ؛ ولا معنى لصحة الرّدّة إلا هذا.
__________________
(١) قال القاضى عبد الجبار : موضحا رأى المعتزلة فى هذه المسألة : «صاحب الكبيرة له اسم بين الاسمين ، وحكم بين الحكمين. لا يكون اسمه اسم الكافر ، ولا اسمه اسم المؤمن وإنما يسمى فاسقا.
وكذلك فلا يكون حكمه ، حكم الكافر ، ولا حكم المؤمن ؛ بل يفرد له حكم ثالث ، وهذا الحكم الّذي ذكرناه هو سبب تلقيب المسألة بالمنزلة بين المنزلتين. فإنّ صاحب الكبيرة له منزلة تتجاذبها هاتان المنزلتان ؛ فليست منزلته منزلة الكافر ، ولا منزلة المؤمن ؛ بل له منزلة بينهما».
(شرح الأصول الخمسة للقاضى عبد الجبار ص ٦٩٧).
وانظر آراء فرق المعتزلة بالتفصيل فى الفصل الرابع من هذه القاعدة ل ٢٤٤ / أوما بعدها.
/ / أول ل ١٣٨ / أ.
(٢) سورة الكهف ١٨ / ٥٠.
(٣) راجع ما مر ل ٢٦٨ / ب وما بعدها. (القاعدة السادسة ـ الفصل الثالث : فى أحكام الثواب والعقاب).