أما الكتاب : فقوله تعالى ـ (وَلا تَجَسَّسُوا) (١) ولأن التجسس سعى فى إظهار الفاحشة ؛ وهو محرم لقوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٢).
وأما السنة : فقوله عليهالسلام : «من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه على رءوس الأشهاد الأولين والآخرين» (٣) ولأنه قد علم من حال النبي صلىاللهعليهوسلم أنه كان يأمر بالستر وترك التعرض لإشاعة الفاحشة لقوله :
«من أتى من هذه القاذورات شيئا ؛ فليسترها بستر الله فإن من أبدى لنا صفحته أقمنا عليه حد الله» (٤).
فإن قيل : الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر : إما أن يكون معلقا. بما مضى أو بالمستقبل.
الأول : محال ؛ لأن المقصود من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر إنما هو التغيير ، وتغيير الماضى محال.
وإن كان الثانى : فوقوعه غير متيقن ، وقد قلتم : لا بد وأن يكون مقطوعا به.
قلنا : المراد إنما هو القسم الثانى.
واشتراط القطع إنما كان عائدا إلى وجوب المأمور به ، وتحريم المنهى عنه لا القطع فى وقوعه.
وعلى هذا : فالمأمور به ، والمنهى عنه. وإن كان مستقبلا لا يشترط فيه أن يكون مقطوعا بوقوعه ؛ بل أن يكون مظنون الوقوع بما يدل عليه من الأمارات ، والعلامات الدالة على استمراره والدوام عليه ويمكن أخذ ظن الوقوع فى المستقبل قيدا ثانيا
__________________
(١) جزء من الآية رقم ١٢ من سورة الحجرات رقم ٤٩.
(٢) سورة النور ٢٤ / ١٩.
(٣) ورد فى مسند الإمام أحمد ٤ / ٤٢١ عن أبى برزة الأسلمي.
(٤) موطأ الإمام مالك (٢ / ٨٢٥ ـ كتاب الحدود ـ باب من اعترف على نفسه بالزنا) عن زيد بن أسلم ونصه «من أتى من هذه القاذورات شيئا ؛ فليسترها بستر الله ، فإن من أبدى لنا صفحته أقمنا عليه الحد».