ثم اختلافهم فى قتل عثمان (١) ، واختلفوا فى خلافة على (٢) ومعاوية ، وما جرى فى وقعة الجمل ، وصفين إلى غير ذلك.
ثم اختلافهم أيضا فى بعض الأحكام الفرعية : كاختلافهم فى الكلالة (٣) وميراث الجد مع الإخوة والأخوات ، وعقل الأصابع ، وديات الأسنان إلى غير ذلك من الأحكام ، ولم يزل الأمر فى الخلاف يتدرج إلى آخر أيام الصحابة حتى ظهر معبد الجهنى (٤) ، وغيلان الدمشقى (٥) ، ويونس الأسوارى (٦) ، وخالفوا فى القدر ، ومنعوا من إضافة الخير والشر ، إلى الله ـ تعالى ـ وإلى تقديره ، ولم يزل الخلاف يتشعب ، والآراء تختلف ، حتى تفرق الإسلام ، وأرباب المقالات فيه ، إلى ثلاث وسبعين فرقة ، وكان ذلك من معجزات النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ حيث وقع ما أخبر به قبل وقوعه حيث قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ، وافترقت النصارى على اثنين وسبعين فرقة ، وستفترق أمتى على ثلاث وسبعين فرقة ، كلها فى النار إلا واحدة ، قالوا يا رسول الله : من الملّة الواحدة التى تنقلت قال : ما أنا عليه وأصحابى» (٧).
__________________
(١) انظر ما سيأتى فى قاعدة الإمامة ل ٣٠٨ / أوما بعدها.
(٢) انظر ما سيأتى فى قاعدة الإمامة ل ٣٠٨ / ب وما بعدها.
(٣) الكلالة : من مات ولا والد له ، ولا ولد ، قال تعالى : (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) سورة النساء ٤ / ١٧٦.
(٤) معبد الجهنى : هو معبد بن خالد الجهنى البصرى ـ ولد بالبصرة ، وتنقل بين دمشق ، والمدينة المنورة ، وهو أول من تكلم فى القدر. فقد رأى من يتعلل فى المعصية بالقدر ؛ فأراد أن يرد عليه ، ولكنه أخطأ وقال : «لا قدر والأمر أنف» ، فنبذه الصحابة ، والتابعون ، وقتله الحجاج بعد سنة ثمانين. (العبر ١ / ٩٢ ـ البداية والنهاية ٩ / ٤٤ ـ ميزان الاعتدال ٣ / ١٨٣)
(٥) هو أبو مروان غيلان بن مروان بم مسلم الدمشقى ، أخذ القول فى القدر عن معبد الجهنى ، وله فرقة تنسب إليه (الغيلانية) من المرجئة قتله هشام بن عبد الملك عند ما تولى الخلافة (لسان الميزان ٤ / ٤٢٤ ـ الانتصار للخياط ص ١٨٩).
(٦) الأسوارى : هو أبو على الأسوارى : كان من أتباع أبى الهذيل العلاف ثم انتقل إلى مذهب النظام وهو شيخ الأسوارية من المعتزلة ، عدّ من الطبقة السابعة (طبقات المعتزلة ص ٧٢ ، الفرق بين الفرق ١٦٥ ، الانتصار ص ٤٨) وانظر عنه أيضا ما سيأتى ل ٢٤٥ / أ.
(٧) قارن بما ورد فى الفرق بين الفرق للبغدادى ، الّذي اهتم بهذا الحديث وخصص له الباب الأول من كتابه فقال :
«الباب الأول : فى بيان الحديث المأثور فى افتراق الأمة» قال : وللحديث الوارد على افتراق الأمة أسانيد كثيرة وقد رواه عن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ جماعة من الصحابة : كأنس بن مالك ، وأبى هريرة وأبى الدرداء ، وجابر وأبى سعيد الخدرى ، وأبى بن كعب وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وأبى أمامة ، ووائلة بن الأسقع ، وغيرهم وقد ورد هذا الحديث بعدة ألفاظ. وما هنا فقد أخرجه أبو داود فى سننه ٢ / ٥٠٣ عن أبى هريرة رضي الله عنه. وأخرجه الترمذي فى سننه ٥ / ٢٥ عن أبى هريرة أيضا ، وقال عنه هذا حديث حسن صحيح. وقد ذكر صاحب الفرق بين الفرق رواية أخرى عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال : قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «ليأتين على أمتى ما أتى على بنى إسرائيل ، تفرّق بنوا إسرائيل على اثنتين وسبعين ملّة ، وستفترق أمتى على ثلاث وسبعين ملة ، تزيد عليهم ملة ، كلهم فى النار لا ملة واحدة ، قالوا : يا رسول الله وما الملة التى تتغلب؟ قال : ما أنى عليه وأصحابى». كما ذكر رواية ثالثة عن أنس عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إن بنى إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة ، وإن أمتى ستفترق على اثنتين وسبعين فرقة ، كلها فى النار إلا واحدة وهى الجماعة».