وكان رأس القوم فى ذلك عبد الله بن ميمون القداح (١). وقيل حمدان قرمط ، وكان أول ما فعل أنه انتمى إلى غلاة الروافض ، واستمالهم بالدعوة إلى الإمام والحث على متابعته ، ولم يزل يستدرجهم بمخارقه ، حتى أجابه منهم طائفة كثيرة ، ولهم فى الدعوة واستدراج الطغام (٢) مراتب.
الأولى : الرزق ، وهو أن يكون الداعى فطنا ، عارفا بقبول حال المدعو ، لما يدعوه إليه بحيث لا يدعو غير قابل ، ولذلك نهوا دعاتهم ، عن إلقاء البذر فى الأراضى السبخة ، وأن لا يتكلم بالدعوة فى بيت فيه سراج ؛ أى فقيه ، أو متكلم.
الثانية : التأنيس : وهو استمالة كل واحد ، بتقرير ما يميل إليه هواه ، حتى إنه إن كان المدعو ممن يميل إلى الزهد ، والورع ، زين ذلك ، وقبح نقائضه ، وإن كان ممن يميل إلى الخلاعة ، زين له ذلك ، وقبح نفائضه ، حتى يحصل له التأنيس.
الثالثة : التشكيك ، والتعليق : وهو أنه إذا تأنس المدعو بالداعى ، شككه بعد ذلك فى أركان الشريعة ، وذلك بأن يقول له : ما معنى الحروف المقطعة فى أوائل السور ، ولم كانت الحائض يجب عليها قضاء الصوم دون الصلاة؟ ولم كان الغسل واجبا من خروج المنى ، دون البول؟ والركوع واحدا ، والسجود اثنين؟ وأبواب الجنة ثمانية ، وأبواب جهنم سبعة؟ والصبح ركعتين ، والمغرب ثلاث ، والظهر ، والعصر ، والعشاء أربعا؟ إلى غير ذلك ، فيتشكك ، ويتعلق قلبه بالعود ، إلى مراجعتهم ، فى ذلك.
الرابعة : الربط ، وذلك أنه إذا عاد إليهم ، وراجعهم فيما شككوه فيه.
قالوا له : قد جرت سنة الله ، بأخذ الميثاق ، والعهود ، واستدلوا عليه بقوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ) (٣) الآية.
فإذا أذعن لهم / استحلفوا بالأيمان التى يعتقدها ، أن يستر ما يسمعه منهم ، ولا يفشى لهم سرا ، إلا ما استفشوه.
__________________
(١) هو عبد الله بن ميمون بن داود المخزومى المعروف بابن القداح من أهل مكة ، وهو من الثقات عند الشيعة. عرف بالقداح ؛ لصناعته السهام ظهر فى جنوبى فارس ٢٦٠ ه وهو الّذي نشر المبادئ الإسماعيلية بها توفى سنة ٢٨٠ ه (الإعلام ٤ / ٢٨٦ ، موسوعة الأديان ص ٢٩٥).
(٢) الطّغام : أرذال الناس وأوغادهم. و ـ الضعيف الردىء من كل شيء (الطغامة) واحد الطغام و ـ الأحمق ، [يستوى فيه المذكر والمؤنث]. (ج) طغام (المعجم الوسيط ـ باب الطاء).
(٣) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٧.