وعلى هذا : فى كل عصر ودور ، إلى زمان القيامة ، وارتفاع التكاليف واضمحلال السنن ، وبلوغ النفس الناطقة كما لها ، وهو اتصالها بالعقول العلوية ، وذلك هو القيامة الكبرى ، وعندها تنحل تراكيب الأفلاك ، والمركبات ، وتنشق السماء ، وتتناثر الكواكب وتتبدل الأرض غير الأرض ، وتطوى السماء ، كطى السجل للكتاب ، ويحاسب الخلق ، ويتميز الخير عن الشر ، ويتصل كل بما يناسبه.
هذا ما كان عليه قدماؤهم ، فحين ظهر الحسن بن محمد الصباح (١) ، عاد ودعا الناس ـ أول دعوة ـ إلى إمام قائم فى كل زمان ، وأنه حجة ذلك الإمام فى زمانه ، وكان خلاصة كلامه :
أن المفتى فى معرفة الله ـ تعالى ـ ، إما أن يقول إنى أعرف البارى ـ تعالى ـ بعقلى ، ونظرى من غير احتياج إلى تعليم ، معلم صادق ، أو أن يقول : لا طريق مع العقل ، والنظر إلى المعرفة دون تعليم معلم صادق.
فإن كان الأول : فليس له الإنكار على عقل غيره ، ونظره ؛ فإنه متى أنكر عليه فقد علمه ؛ إذ الإنكار تعليم ، وهو دليل على أن المنكر عليه ، محتاج إلى المعلم.
وإن كان الثانى : فلا يخلوا : إما أن يكتفى بكل معلم على الإطلاق ـ كيف كان ـ أو أنه لا بد ، من معلم صادق.
فإن كان الأول : فليس له الإنكار على معلم خصمه ، وإن أنكر ؛ فقد سلم أنه لا بد من معلم صادق.
وإن كان الثانى : وهو أنه لا بد من معلم صادق ؛ فلا بد من معرفة المعلم الأول ، والظفر به ، والتعليم منه.
وبان أن الحق مع هذه الفرقة ، وأن رأسهم رأس المحقين ، ومن عداهم مبطلون ، ورؤسائهم رؤساء ، المبطلين.
ثم إنه منع العوام عن الخوض فى العلوم والخواص : عن النظر فى الكتب المتقدمة ، حتى لا يطلع على فضائحهم ثم زادوا ، ونقصوا / وتفلسفوا ، ولم يزالوا متسترين
__________________
(١) هو رأس الفرقة المعروفة باسمه (الصباحية) بأصبهان. كثر اتباعه فبنى القلاع ، وقوى أمره.
ولد بالرى عام ٤٣٠ ه ونشأ نشأة شيعية انضم للإسماعيلية ، وعمره سبعة عشر عاما وكانت قلعة الموت عاصمة لدولته ، توفى الحسن الصباح سنة ٥١٨ ه من غير سليل ؛ لأنه قتل ولديه ، فى حياته. (الموسوعة الميسرة فى الأديان والمذاهب المعاصرة ص ٢٠٣ وما بعدها.