الفرقة الثالثة : الغسانية (١)
أصحاب غسان الكوفى ، زعموا أن الإيمان هو المعرفة بالله ـ تعالى ـ ورسوله ، والإقرار بهما ، وبما جاء من عندهما في الجملة ، دون التفصيل وأن الإيمان يزيد ، ولا ينقص.
وقالوا : إن قائلا لو قال : أعلم أن الله ـ تعالى ـ فرض الحج إلى الكعبة ، غير أنى لا أدرى أين الكعبة ، ولعلها باليمن ، لا بمكة ، كان مؤمنا.
ولو قال : اعلم أن الله بعث محمدا رسولا ، ولا أدرى أنه الشخص المشار إليه بالمدينة ، أو غيره ؛ لكان مؤمنا.
وكان يحكى غسان هذه المقالة عن أبى حنيفة وما ذكروه فى تفسير الإيمان ؛ فقد أبطلناه فيما تقدم.
وأما الشك فى عين الكعبة والرسول / فأمر لا يستجيزه العاقل لنفسه ؛ وهو خلاف إجماع الأمة.
وأما حكاية ذلك عن أبى حنيفة ـ رضي الله عنه ـ فلعل الناقل كاذب فيه لقصد الاستئناس فيما قاله بموافقة رجل كبير مشهور ، ومع هذا فإن أصحاب المقالات قد عدوا أبا حنيفة ، وأصحابه من مرجئة السنة (٢) ، ويشبه أن يكون ذلك ؛ لأنه كان يخالف القدرية ، وهم المعتزلة.
والمعتزلة قد كانوا فى الصدر الأول ، يلقبون كل من خالفهم فى القدر مرجئا ، أو لأنه لما كان يقول : إن الإيمان هو التصديق بالقلب ، وأنه لا يزيد ولا ينقص ، ظن به
__________________
(١) الغسانية : أتباع غسان الكوفى ، وقيل : غسان بن الكوفى ، وقيل : غسان المرجئ وانظر بشأن هذه الفرقة.
الملل والنحل ص ١٤٠ ، والفرق بين الفرق ص ٢٠٣ ، والتبصير فى الدين ص ٦٠ واعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ٧٠ وشرح المواقف ص ٥٥ ، ٥٦ من التذييل.
(٢) انظر مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين للإمام الأشعرى فقد ذكر أن الفرقة التاسعة من المرجئة : [أبو حنيفة وأصحابه].
قال : «الفرقة التاسعة من المرجئة «أبو حنيفة وأصحابه» يزعمون أن الإيمان المعرفة بالله والإقرار بالله والمعرفة بالرسول الإقرار بما جاء به من عند الله فى الجملة دون التفسير ... وزعم أن الإيمان لا يتبعض ولا يزيد ولا ينقص ولا يتفاضل الناس به».
[مقالات الإسلاميين ١ / ٢١٩ ـ ٢٢١].