أما المتوسطة : فقد عرف مذهبهم فيما تقدم.
وقد زعمت الجهمية الخالصة : أن الإنسان لا يوصف بالاستطاعة على الفعل بل هو مجبور بما يخلقه الله ـ تعالى ـ له من الأفعال ، على حسب ما يخلقه فى سائر الجمادات. وأن نسبة الفعل إليه إنما هو بطريق المجاز ، كما يقال : جرى الماء ، وطلعت الشمس وتغيمت السماء ، وأمطرت ، واهتزت الأرض ، وأنبتت ، وأثمرت الشجرة ، إلى غير ذلك .. وإن لم يكن ذلك من فعل المنسوب إليه ، ولا من كسبه ، وهذا فقد أبطلناه فيما تقدم فى القدر الحادثة.
وزعموا أيضا أن الله ـ تعالى ـ لا يعلم الشيء قبل وقوعه ، وأن علومه حادثة لا بمحل ، وقد أبطلناه أيضا.
ومن مذهبهم : امتناع اتصاف الرب ـ تعالى ـ بما يصح أن يوصف به غيره ؛ لأن ذلك مما يوجب التشبيه ، وذلك ككونه شيئا ، وحيا ، وعالما ، ولا يمنعون من اتصافه بما لا يشاركه فيه غيره ، ككونه خالقا ، وفاعلا ..
ويلزمهم من ذلك إبطال أكثر ما ورد به القرآن ، والسنة من الأسماء الحسنى ؛ كالرحيم والعالم ، والشاكر ، والشكور ، والوتر ، والحى ، والسميع والبصير ، واللطيف ، والخبير ، والحكيم ونحو ذلك ؛ وهو خلاف النصوص ، والإجماع.
ومن مذهبهم : أن الجنة والنار تفنيان بعد دخول أهلهما إليها ويفنى ما فيهما ، حتى لا يبقى غير الله تعالى.
وفيه تكذيب لقوله ـ تعالى : (أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها) (١) ، وقوله تعالى : (عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) (٢) : أى غير مقطوع ، وقوله ـ تعالى ـ فى أهل النار : / (خالِدِينَ فِيها) (٣).
ومن مذهبهم أيضا : موافقة المعتزلة فى نفى الرؤية ، وإثبات خلق الكلام ، وإيجاب المعارف بالعقل ، قبل ورود الشرع ؛ وهو باطل بما سبق (٤).
__________________
(١) سورة الرعد : ١٣ / ٣٥.
(٢) سورة هود : ١١ / ١٠٨.
(٣) سورة هود : ١١ / ١٠٧.
(٤) راجع ما مر فى الجزء الأول : ل ١٢٣ / أوما بعدها ، ول ٨٢ / ب وما بعدها. وما ورد فى الجزء الثانى ل ٢١٥ / ب وما بعدها.