ذكر أن للعبادة ركنين أساسيين ، هما لها كقطبي الرحا ، فعليهما يدور فلكها ، وبهما ينتظم أمرها ، وهما كمال المحبة وكمال الذل ، فلا تتم عبودية أحد حتى يكمل فيه هذان الأمران محبة الله تملأ شعاب قلبه ومسالك وجدانه ويورثها مشاهدة فضله وامتنانه وذل يحمله على الانكسار والخضوع لهيبته وسلطانه ، ويورثه مطالعة عيوب النفس وجنوحها إلى مخالفته وعصيانه.
ثم مدار العبادة بعد هذا على الأوامر الشرعية المتلقاة عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فإن الله عزوجل لا يعبد إلا بما شرع هو ، لا بما يسوق إليه الهوى أو تزينه النفس والشيطان ، كما يفعله المبتدعة والضلال من أهل التصوف الذين يشرعون لأنفسهم ولأتباعهم من العامة من الأوراد والأذكار وألوان السلوك في المطعم والملبس وغيرهما من شئون الحياة ما لم يأذن به الله.
والحاصل أن العبادة لا تكون صحيحة ولا مقبولة إلا إذا توافر لها شرطان الاخلاص والمتابعة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فلا منجاة لأحد من غضب الله وناره إلا إذا قامت عبادته على هذين الأصلين ، اخلاص برئ من سائر ألوان الشرك من الرياء وغيره ، وموافقة للسنة بلا ابتداع. والناس بعد هذا فاما مشرك لا يخلص العبادة لله ، واما ذو بدعة لا يتوخى في عبادته اصابة السنة ، وأما جامع للوصفين معا. وليست العبرة بكثرة العبادة والانهماك فيها ، ولكن بتوخي الإحسان مع ابتنائها على الإيمان الصحيح. وهذا هو ما يطلبه أهل المعرفة ويجدون فيه ، وأما أهل الجهل والحماقة فهم بمعزل عن طلب الإحسان.
* * *
وكذاك قد شهدوا بأن الله ذو |
|
سمع وذو بصرهما صفتان |
وهو العلي يرى ويسمع خلقه |
|
من فوق عرش فوق ست ثمان |
فيرى دبيب النمل في غسق الدجى |
|
ويرى كذاك تقلب الأجفان |
وضجيج أصوات العباد بسمعه |
|
ولديه لا يتشابه الصوتان |
وهو العليم بما يوسوس عبده |
|
في نفسه من غير نطق لسان |