هذا هو مذهب الأمة الوسط الذي يجمع بين الآيات الدالة على عموم خلقه سبحانه مثل قوله : (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) [الرعد : ١٦] وبين الآيات الدالة على نسبة الأفعال إلى العباد ، وهي كثيرة مثل قوله تعالى : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) [فصلت : ٤٠] وقوله : (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) [التوبة : ١٠٥] الآية. وقوله : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزلزلة : ٧ ، ٨].
ولكن أهل الجبر الذين ينفون عن العبد القدرة على الفعل ولا يسمونه فاعلا إلا على جهة المجاز ، والقدرية الذين يزعمون أن العبد مستقل بخلق أفعاله دون أن تتعلق بها قدرة الله ومشيئته نظروا إلى المسألة بعين أعور حين أخذ كل منهم بجانب من الحق دون جانب فالمجبرة غلبوا عموم القدرة والمشيئة ، فلم يجعلوا للعبد فعلا ولا جعلوه مسئولا عما يصدر منه ، إذ لا يسأل عما ليس من فعله.
والقدرية غلبوا جانب التكليف والأمر والنهي فخصصوا في القدر والمشيئة ، وعزلوا أفعال العباد عن الدخول تحتهما تحقيقا لمسئولية العبد وتصحيحا للتكليف.
وهكذا نظرت كل من الطائفتين نظرا قاصرا ، فلم يؤمنوا بالكتاب كله الدال على اثبات عموم قضاء الله وقدره ومشيئته ، وعلى أن أفعال العباد واقعة منهم بقدرتهم ومشيئتهم ، فلو وفقوا لذلك كما وفق له أهل السنة والجماعة لهدوا ، ولذلك قال الإمام أحمدرحمهالله : (القدر هو قدرة الله) واستحسن ابن عقل هذه الكلمة من الإمام أحمد وقال : إنه شفى بهذه الكلمة ووفى.
* * *
فصل
وله الحياة كمالها فلأجل ذا |
|
ما للممات عليه من سلطان |
وكذلك القيوم من أوصافه |
|
ما للمنام لديه من غشيان |