إحداهما قالت أنه قديم قائم بالذات لازم لها كالقدرة ، ولم يجعلوه متعلقا بمشيئته تعالى وقدرته ، وهم الماتريدية أتباع الشيخ أبي منصور الماتريدي من علماء الحنفيين وهذه المسألة مما خالف فيه الماتريدية الأشاعرة رغم ما بين الطائفتين من اتفاق في كثير من مسائل الكلام ، فإن المشهور عن الاشاعرة أنهم لا يثبتون الا سبع صفات ، يسمونها صفات المعاني ، وهي : الحياة والقدرة والإرادة والعلم والسمع والبصر والكلام ، ويجعلونها كلها قديمة وقائمة بالذات. وأما صفات الأفعال عندهم من الخلق والرزق والاحياء والامانة الخ ، فيجعلونها تعلقات تنجيزية حادثة للقدرة القديمة ، ومن العجب أنهم يقولون أن تعلقات الإرادة كلها تنجيزية قديمة ، فكيف اذا تخلف عنها المراد في الأزل. وكذلك قالوا في تعلقات العلم والكلام. وأما الماتريدية فقد أثبتوا التكوين صفة أخرى وراء الصفات السبع المتقدمة وجعلوها قديمة كما سبق ، وقد عارضهم خصومهم من الأشاعرة وردوا قولهم في اثبات هذه الصفة مكابرة بلا دليل.
وأما الطائفة الأخرى فقد ذهبت الى أن الفعل حادث قائم بالذات ، ثم انقسمت الى فرقتين : الكرامية أتباع محمد بن كرام ، وهؤلاء ذهبوا الى أن فعله حادث قائم بذاته ومتعلق بمشيئته وقدرته ، ولكنهم جعلوا له ابتداء في ذاته ، بمعنى أنه لم يكن فاعلا ثم فعل. وهكذا قالوا في جميع الصفات المتعلقة بالمشيئة من الكلام والرضى والمحبة والنزول والاستواء ، والذي دعاهم الى ذلك الخوف من القول بالتسلسل في أفعاله ، فيلزم قدم أنواع المفعولات ، فيسد ذلك عليهم في زعمهم طريق اثبات الصانع ، اذ كان اثباته من طريق حدوث المخلوقات ، وذهبوا الى أن الفعل والكلام سيان ، كلاهما حادث له ابتداء في الذات ، فالله عندهم لم يكن متكلما ولا فاعلا ، ثم حدث له الفعل والكلام ، فعطلوه سبحانه عن فعله وكلامه وجعلوا كلا منهما ممتنعا في الأزل.
* * *
والآخرون أولو الحديث كأحمد |
|
ذاك ابن حنبل الرضي الشيباني |