الله ولم يكن شيء معه» أي مساوق له في الوجود سبحانه ، بل متأخر عنه. ولكنا مع ذلك لا نقول بوجود فاصل لا نهاية له في الزمان بين وجود الله ووجود العالم كما يقوله من ذهب إلى أن العالم وجد من عدم ، فإن هذا يستلزم كما قدمنا أن يكون الباري معطلا عن الفعل أو غير قادر عليه مدة لا تقاس بها مدة فاعليته ، بل نقول إنه سبحانه يكون الشيء فيكون عقب تكوينه ، لا مع تكوينه ولا متراخيا عنه فإن المؤثر التام يجب أن يكون أثره عقيب تأثيره بلا مهلة ، وإلى هذا الإشارة بقوله تعالى : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس : ٨٢].
* * *
لسنا نقول كما يقول الملحد ال |
|
زنديق صاحب منطق اليونان |
بدوام هذا العالم المشهود وال |
|
أرواح في أزل وليس بفان |
هذي مقالات الملاحدة الألى |
|
كفروا بخالق هذه الأكوان |
الشرح : يعني اننا وان قلنا بقدم الفعل الذي هو صفة لله ، لا نقول بأن العالم المفعول قديم مع الله ، وأنه مقارن له في الزمان ، كما يقول ذلك أرسطو صاحب المنطق فالمشهور عن أرسطو أنه كان يرى أن العالم مساوق لله في الوجود أزلا وأبدا ، والله عنده ليس خالقا للعالم ، وإنما هو محرك فقط ، ولهذا كان يسميه المحرك الأول أو العلة الأولى أو الصورة المحضة. ولا يعني أرسطو بذلك أن الله فعل في العالم الحركة ، فإن الله ليس بعلة فاعلية عنده ، وإنما هو علة غائية.
ويقول أرسطو في بيان ذلك : ان الله لما كان صورة محضة كان في غاية الكمال وكانت المادة في الجهة الأخرى أقرب إلى العدم منها إلى الوجود إذ كانت امكانا وكانت وجودا بالقوة لا بالفعل ، فتركت بدافع الشوق إلى محاكاة تلك الصورة المحضة والقرب منها قدر الطاقة ، وكانت هذه الحركة الشوقية هي التي أبرزت هذه المادة إلى الوجود بالفعل وسارت بها في طريق التقدم والارتقاء. ولا ريب أن هذا الكلام هو إلى الشعر والخيال أقرب منه إلى الفلسفة ، فكيف