للقلم قال له اكتب ، بدليل الرواية الأخرى «أول ما خلق الله القلم قال له اكتب» بنصب اوّل على الظرفية ، ونصب القلم على المفعولية. وأما على رواية رفع أول والقلم فيتعين حمله على أنه أول المخلوقات من هذا العالم ـ يعني عالم الأقلام ـ ليتفق الحديثان ، اذ حديث عبد الله بن عمرو صريح في أن العرش سابق على التقدير ، والتقدير مقارن لخلق القلم. وفي اللفظ الآخر «لما خلق الله القلم قال له اكتب» فجرى القلم بما هو كائن الى يوم القيامة بقدرة الله عزوجل.
* * *
أفكان رب العرش جل جلاله |
|
من قبل ذا عجز وذا نقصان |
أم لم يزل ذا قدرة والفعل ق |
|
دور له أبدا وذو امكان |
فلئن سألت وقلت ما هذا الذي |
|
اداهم لخلاف ذا التبيان |
ولأي شيء لم يقولوا إنه |
|
سبحانه هو دائم الاحسان |
فأعلم بأن القوم لما أسسوا |
|
أصل الكلام عموا عن القرآن |
وعن الحديث ومقتضى المعقول بل |
|
عن فطرة الرحمن والبرهان |
وبنوا قواعدهم عليه فقادهم |
|
قسرا الى التعطيل والبطلان |
الشرح : أفبعد هذا البيان الذي دل على وجود مخلوقات قبل هذا العالم ووجود زمان قبل هذا الزمان يصح أن يقال أن رب العرش قبل وجود هذا العالم كان عاجزا عن الفعل والايجاد ، فيما لم يزل ، أم الحق هو عكس ذلك تماما ، وهو أنه سبحانه لم يزل قادرا على ايجاد الفعل والفعل لم يزل مقدورا له ممكنا.
فلئن سأل سائل عما حدا بهؤلاء الخصوم إلى المنازعة في تلك القضية التي تتألق وضوحا وتبيانا ، ولما ذا لم يقولوا بما قال به السلف من أنه سبحانه دائم الإحسان وقديمه ، فإنا نقول له : إن هؤلاء المخذولين اغتروا بعقولهم الفاسدة وبما أصلته لهم من أصول باطلة ، فعموا بسبب ذلك عن كل ما يصلح أن يكون حجة ودليلا عموا عن القرآن والحديث ، وعموا عن الفطرة الإنسانية وعما يقتضيه العقل السليم والنظر الصحيح ، لقد أسسوا لهم أصلا في الكلام وبنوا عليه جميع قواعدهم ،