على عرشه بابا لمن قال بالاتحاد ، فإن هؤلاء الاتحادية لما جاروهم في ذلك النفي ولم تسغ عقولهم موجودا لا داخل العالم ولا خارجه ، حكموا بأن الله هو عين هذا العالم ، وصرحوا بالاتحاد ، بل أن هؤلاء النفاة أيضا كانوا بابا ولج منه الحلولية الذين زعموا أن الله هو الروح السارية في العالم ، لأنهم لما وافقوا هؤلاء في أن الله ليس خارج العالم ، ولم يعقلوا موجودا لا داخلا ولا خارجا حكموا بحلوله فيه وسريانه في جميع أجزائه ، فصار هؤلاء الجهمية النفاة أساتذة لهؤلاء الاتحادية والحلولية ينقطون لهم نقطا وهم يخطون عليها كما يفعله معلم الصبيان.
وملخص هذا الدليل على طريقة السير والتقسيم المعروفة أن الله سبحانه أما أن يكون موجودا خارج الأذهان أو لا ، والثاني مستلزم لنفيه وجحوده والأول أما أن يكون وجوده غير وجود هذه الأكوان أو لا ، بأن يكون عينها ، والثاني مستلزم للقول بالاتحاد ، وهو كفر ، والأول اما أن يكون متصلا بالأشياء اتصال حلول ، بأن تكون قد حلت فيه أو حل فيها أو لا ، والأول مستلزم للقول بالحلول الذي قالت به النصارى هو كفر ، والثاني أما أن يكون قائما بنفسه مستغنيا عن الأكوان أو لا ، والثاني يستلزم كونه عرضا قائما بالأعيان ، وهو كفر ، فثبت من ذلك أنه موجود بوجود مغاير لوجود الأشياء غير حال فيها ولا حالة فيه وليس هو عرضا لها ، بل هو وجود قائم بنفسه ، والعالم قائم بنفسه ، فإذا نسب أحدهما إلى الآخر فلا يخلو ، إما أن يكونا مثلين أو ضدين أو غيرين ، وعلى كل فهما منفصلان متباينان فثبت أن الله مباين للعالم وأنه فوقه عال عليه.
* * *
فصل
في الاشارة الى الطرق النقلية الدالة
على أن الله تعالى فوق سماواته على عرشه
ولقد أتانا عشر أنواع |
|
من المنقول في فوقية الرحمن |