وأما الفوق المجرد عن الاقتران بمن فهو قد يقبل التأويل ، ولكن لا يقبله إلا بدليل ، لأن الأصل هو الحقيقة ، فلا يصرف اللفظ عن معناه الحقيقي إلا بقرينة صارفة تمنع من إرادة المعنى الأصلي ، فإذا ادعى الخصم ان قرينة العقل هي التي أوجبت ذلك الصرف لاستحالة الفوقية الحسية ، قلنا هذه القرينة معارضة عندنا بضرورة العقل القاضية بأن كل موجودين إذا نسب أحدهما إلى الآخر ، فأما أن يكون متداخلين أو متباينين ، وإذا كانا متباينين فلا بد أن يكون أحدهما في جهة من الآخر.
وقد ذكر المؤلف هنا فائدة جليلة ينبغي التنويه بها وهي اعتبار سياق الكلام في تحديد مدلولات الألفاظ ، فإذا جاء السياق يبدي المراد للمخاطب أصبح كالنص في افادة القطع وعدم قبول التأويل ، فبعض الألفاظ قد يكون محتملا لأكثر من معنى ، ولكن سياق الكلام هو الذي يعين المراد باللفظ من هذه المعاني ، فسياق الألفاظ مثل شواهد الأحوال كل منهما قرينة تعين المعنى المقصود إلا أن هذه قرينة مرئية بالعيان وهذه قرينة مسموعة بالآذان.
* * *
فإذا أتى التأويل بعد سياقة |
|
تبدي المراد أتى على استهجان |
وإذا أتى الكتمان بعد شواهد ال |
|
أحوال كان كأقبح الكتمان |
فتأمل الألفاظ وانظر ما الذي |
|
سيقت له ان كنت ذا عرفان |
والفوق وصف ثابت بالذات من |
|
كل الوجوه لفاطر الأكوان |
لكن نفاة الفوق ما وافوا به |
|
جحدوا كمال الفوق للديان |
بل فسروه بأن قدر الله أع |
|
لى لا بفوق الذات للرحمن |
قالوا وهذا مثل قول الناس في |
|
ذهب يرى من خالص العقبان |
هو فوق جنس الفضة البيضاء لا |
|
بالذات بل في مقتضى الأثمان |
والفوق انواع ثلاث كلها |
|
لله ثابتة بلا نكران |
هذا الذي قالوا وفوق القهر وال |
|
فوقية العليا على الاكوان |