الوجهين لا تثبتون على مبدأ ، ولا يستقر لكم منهج ، فنحن نقول عنكم مجسمة لاثباتكم بعض الصفات ، وخصومنا يرمونكم بالتعطيل والجحود لنفيكم بعضها بلا فارق بين ما أثبتموه وما نفيتموه ، فأنتم كقوس قزح تتعدد ألوانه ، مرة تجحدون وأخرى تثبتون ، لم تطردوا قاعدتكم في الجحد ولا قاعدتكم في الإثبات بل تفرقون بين المتماثلين وتسوون بين المختلفين ، ومرة تؤولون وأخرى تحرمون التأويل وتسطون عليه بالإنكار.
والحق أن هذه الفرقة التي تسمى بالأشعرية ، لا سيما المتأخرين منها ، أشد الفرق حيرة واضطرابا وتذبذبا ، بسبب أنهم أرادوا الجمع بين العقل والنص ، فلا للنص نصروا ، ولا لخصومهم من الفلاسفة والمعتزلة كسروا ، لأنهم لما جاروا هؤلاء الخصوم في كثير مما ذهبوا إليه من النفي والتعطيل أعانوهم على أنفسهم ، وأعطوهم سلاحا يقابلونهم به كلما أرادوا التعرض لهم ، ومن يقرأ كتاب (تهافت التهافت) لابن رشد في الرد على كتاب تهافت الفلاسفة للغزالي ، يظهر له جليا كيف أعان هؤلاء الأشاعرة خصومهم على ضربهم في الصميم.
فصل
في المطالبة بالفرق بين ما يتأول وما لا يتأول
فنقول فرق بين ما أولته |
|
ومنعته تفريق ذي برهان |
فيقول ما يفضي إلى التجسيم |
|
أولناه من خبر ومن قرآن |
كالاستواء مع التكلم هكذا |
|
لفظ النزول كذاك لفظ يدان |
إذ هذه أوصاف جسم محدث |
|
لا ينبغي للواحد المنان |
فنقول أنت وصفته أيضا بما |
|
يفضي إلى التجسيم والحدثان |
فوصفته بالسمع والأبصار مع |
|
نفس الحياة وعلم ذي الأكوان |
ووصفته بمشيئة مع قدرة |
|
وكلامه النفسي وهو معان |
أو واحد والجسم حامل هذه الأ |
|
وصاف حقا فاءت بالفرقان |