فلذاك حكمنا عليه وأنتم |
|
قول المعلم أولا والثاني |
الشرح : يعني أن الإشارات قد صرحت بضد ما جاء في كتب الله الثلاثة وذلك لأن مؤلفها نهج بها نهجا فلسفيا تجريديا ، فنفى عن الله القدرة والاختيار والإرادة ، وقال أنه لا يعلم إلا ذاته ، وأنه يعلم الأشياء على وجه كلي ونفي حكمة الله ، وقال أنه لا يفعل لحكمة يحبها ويرضاها ، وقال أن الله علة فقط للعالم ، وأن العالم صدر عنه بطريق الإيجاب لا بطريق الاختيار والمشيئة الى غير ذلك مما ضمنه كتابه من زندقة وضلال.
ومن العجيب أن هؤلاء الملاحدة أشياع هذا الفيلسوف يقدسون هذه الإشارات ويجعلونها في مرتبة النصوص القرآنية ، بل فوقها في افادة الحجج القاطعة التي يسمونها البراهين ، وإذا تحاكموا في مسألة من المسائل الالهية ، فإنما يرجعون إليها ويحكمونها دون كتاب الله عزوجل. لأنهم زعموا وبئس ما زعموا أن نصوص القرآن لفظية ، ودلالة الألفاظ عندهم ظنية ، فنصوص القرآن عندهم بمعزل عن إفادة اليقين ولهذا نراهم لا يأخذون عقائدهم من القرآن ، ولا يعتمدون على أدلته في اثبات العقائد لأن المطلوب في العقائد هو الجزم واليقين ، وأدلة القرآن عندهم خطابية لا تنتج اليقين ، وإنما قصاراها أنها تفيد الاقناع والتأثير ، فهي لا تفيد إلا غلبة الظن ، وذلك غير كاف في الاعتقاد ، ومن أجل هذا أتعبوا أنفسهم في تركيب الأدلة العقلية المثبتة للعقائد الإيمانية ، وما هي في الواقع إلا ترهات وأباطيل إلا ما يرجع منها إلى أدلة القرآن البينة الواضحة ، وليت شعري ما ذا يقول هؤلاء في السلف الأولين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة الهدى والدين الذين ماتوا قبل أن يعرفوا هذه الأدلة التي يعول عليها هؤلاء ويجعلونها الطريق الوحيد إلى الإيمان واليقين. هل كانوا في نظر هؤلاء الملاحدة كفارا أو مؤمنين؟ ومن أعجب العجب أن تتفق كلمة المتكلمين جميعا من معتزلة وأشعرية وغيرهما على هذه القاعدة الجائرة وأن يجاروا فيها ملاحدة المتفلسفة فيؤخروا كتاب الله عن قضايا عقولهم ويعزلوا