والله لا الرحمن أثبتم ولا |
|
أرواحكم يا مدعي العرفان |
عطلتم الأبدان من أرواحها |
|
والعرش عطلتم من الرحمن |
الشرح : بعد أن ذكر المؤلف رحمهالله بعض ما تضمنته هذه الآثار من شئون الروح وأحوالها ، قال إن هذا هو نهاية ما بلغته مدارك البشر في هذا المقام الخطر والأمر الجليل. ولكن الحق الكامل فيه لا تطيق حمله عقول بني العصر لغلظ أذهانهم وشدة جهلهم بأحكام الروح وصفاتها لقوة الألف بالأبدان والتعلق بالمحسوسات. فيجب أن نقنع منهم بهذا الذي رضيه الله لهم من يسير العلم بهذه الشئون حيث أجاب سبحانه السائلين عن الروح بقوله : (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) [الإسراء : ٨٥] وتلك حكمته سبحانه أن لا يخاطب عباده إلا بمقدار ما تحتمله عقولهم. وليس في عقول الناس أن الروح إذا كانت في الرفيق الأعلى مقيمة في روضات الجنات ترد إلى البدن لرد السلام كلما سلم عليه أحد من أمته في جميع الأوقات.
وليس في العقول كذلك أننا إذا زرنا القبور مسلمين على من بها من إخواننا وأقاربنا ترد إليهم أرواحهم لرد السلام علينا ، وإن كنا لا نسمع ذلك بآذاننا. مع وجود أرواحهم في حواصل الطير الخضر تسرح في بحبوحة الجنان. فمن لا يحمل عقله مثل هذه المعاني فيجب أن نعذره ولا نكلفه ما لا يطيقه من ذلك. فإن للروح نواميسها العجيبة وشئونها الغريبة التي تخالف قوانين الأجسام فلا تهمل هذه الشئون التي حار الورى في فهمها ، فلم يعرفه منهم إلا الفرد بعد الفرد في الأزمان المتطاولة. هذا وأن للروح من العجائب والأسرار ما لو أبديته لبادر الجهلاء إلى إنكاره ومقابلته بالعدوان فلهذا كبحت جماح القلم ، ولو وجدت من يفهم ذلك لأطلقت له العنان وجريت في الميدان.
وخلاصة القول في الروح أنها مخلوقة وحادثة ، وذلك ثابت بالبراهين القاطعة وليست قديمة كما يقول الفلاسفة المارقون. وأنها كذلك قابلة للحلول في البدن والانفصال عنه وللصعود والنزول ، وليست كما يقول الفلاسفة المارقون. وأنها