الجواهر الفردة ، وهي في الأصل نظرية يونانية قديمة ، قال بها ديموكريتس : الفيلسوف الطبيعي اليوناني ، وقد بنوا عليها كثيرا من الأصول الإيمانية ، فجعلوها عمدتهم في الاستدلال على حدوث العالم ووجود المحدث له ، حتى أن أحد كبار الأشاعرة ، وهو القاضي أبو بكر الباقلاني قد أوجب الإيمان بوجود الجوهر الفرد ، بناء على أن الإيمان بوجود الله متوقف على ثبوته ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، كما بنوا على تلك النظرية ما يترتب على حدوث العالم من أن الله فاعل بالاختيار لا موجب بالذات كما يقوله الفلاسفة ، وأنه لا تأثير لشيء من الأسباب في مسبباتها ، بل يخلق الله الأشياء عند وجود أسبابها لا بها.
وهكذا انحرف المتكلمون عن الجادة واعتمدوا في استدلالهم على وهم كاذب وربطوا به مصير العقائد الإيمانية كلها ، مما جعل السلف الصالح المتمسكين بالكتاب والسنة يذمون الكلام وأهله ويرمونهم بالفسوق والابتداع والمروق عن الملة ، ومما جعل أعداءهم من الفلاسفة ينتصرون عليهم ويتمكنون من مقاتلهم ، فلا هم للإسلام نصروا ولا للفلاسفة كسروا ، وهكذا يفعل الصديق الجاهل من الأذى والضرر ما لا يفعله العدو العاقل ، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وبعد أن اتفق المتكلمون على تركب الأجسام من تلك الجواهر الفردة اختلفوا في أقل ما يتركب منه الجسم ، فقال الأشاعرة أقله جوهران ، فإذا انضم جوهر فرد إلى آخر حصل من مجموعهما الجسم عندهم ، وحدوا الجسم بأنه الجوهر القابل للقسمة ولو في جهة واحدة فقط.
وأما المعتزلة فاعتبروا في الجسم أن يكون قابلا للقسمة في الجهات الثلاث ، وعرفوه بأنه الطويل العريض العميق ، ولكنهم اختلفوا في أقل ما يتركب منه الجسم ، فقال النظام : يتركب من أجزاء غير متناهية بالفعل ، وقال الجبائي من ثمانية أجزاء ، وقال أبو الهذيل العلاف من ستة أجزاء إلى آخر ما حكاه عنهم الإمام الأشعري في كتابه (مقالات الإسلاميين).