وعد به من الثواب وأوعد به من العقاب ، بل هو ممن قال الله خبرا عنهم (إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ) [الجاثية : ٣٢].
بل هو قد سمع الناس يذكرون الجنة والنار وقد افترقوا في شأنهما بين كفر وإيمان ، فاختار الوقف له مذهبا ، فلا صدق ولا كذب ، بل وقف متحيرا مؤثرا للأدنى على الأعلى ، تزين له نفسه السوء ، وتمد له في حبل الغرور ، وتركب له من منطقها السقيم قياسا فاسدا غير مستقيم ، وتقول له أتبيع ما في يدك من لهو الحياة ومتعها بشيء بينك وبينه أهوال ثقال وآماد طوال ، فهو لا يجيء إلا بعد الموت وخراب هذه الدنيا وحصول نشأة أخرى لا يدري ما ذا سيكون من حالك فيها. فلو أن هذا الجزاء الآجل يحصل في الدنيا لهان الأمر وخف البيع على ما فيه من مخاطرة ، ولكن كيف الإقدام وهذا الجزاء إنما يتم في حياة آخرة ، فدع ما يقوله الناس ويمنون به أنفسهم ، واقطف زهرة هذه الحياة واطرح ذكر العواقب جانبا فإن هذا بيع ظاهر غبنه غير مأمون العاقبة.
* * *
والله لو جالست نفسك خاليا |
|
وبحثتها بحثا بلا روغان |
لرأيت هذا كامنا فيها ولو |
|
أمنت لألقته إلى الآذان |
هذا هو السر الذي من أجله اخ |
|
تارت عليه العاجل المتدان |
نقد قد اشتدت إليه حاجة |
|
منها ولم يحصل لها بهوان |
أتبيعه بنسيئة في غير هذي |
|
الدار بعد قيامة الأبدان |
هذا وإن جزمت بها قطعا ول |
|
كن حظها في حيّز الإمكان |
ما ذاك قطعيا لها والحاصل ال |
|
موجود مشهود برأي عيان |
فتألفت من بين شهوتها وشب |
|
هتها قياسات من البطلان |
واستنجدت منها رضا بالعاجل ال |
|
أدنى على الموعود بعد زمان |
وأتى من التأويل كل ملائم |
|
لمرادها يا رقة الإيمان |
الشرح : وهذا الذي تعلله به النفس من باطل هذا العيش وغروره ومطالبتها