المدح لذاته ولكن لدلالته على غيره ، على أن من محققي النّقّاد وعلماء المعاني من دفع صحة ذلك ، وخطّأ المادح به ، وقصر المدح على النعت بأمهات الخير وهي : الفصاحة والشجاعة والعدل والعفة وما تشعب منها ويرجع إليها ، وجعل الوصف بالجمال والثروة وكثرة الحفدة والأعضاد وغير ذلك مما ليس للإنسان فيه عمل غلطا ومخالفة عن المعقول. انتهى.
«الذي فلق إصباح العقول في قلوب أعلام بريته» : الفلق بسكون اللام الشق والنشر ، والإصباح الإضاءة واسم الصبح أيضا ، وهو نور الفجر ، والأعلام في الأصل : الجبال المرتفعة ، والمراد العلماء شبّه توفيق الله العلماء وهدايتهم لإصابة الحق من معرفته تعالى وغيرها من سائر المعارف بسبب زيادة في العقل بعد الجهل المشبه بالظلمة فالتشبيه في الحقيقة راجع إلى زيادة العقل بالنور المشقوق المنتشر الحاصل بعد ظلمة الليل ، وأتى بما يلائمه من الفلق والإصباح للدلالة على التشبيه المضمر في النفس ، ويسمّى (١) لفظ العقول استعارة بالكناية لأنه كنّى بها عن الأنوار ، ولفظ فلق وإصباح استعارة تخييلية لأنه لما شبّه العقول بالأنوار أخذ في التخيل لما يلازمها من النشر والإضاءة وغير ذلك فلهذا سميت استعارة تخييلية والاستعارة بالكناية لازمة للاستعارة التخييلية لأنها قرينتها ، ويسمّى لفظ فلق أيضا استعارة تبعية ، لأن الاستعارة في الفعل وشبهه كاسم الفاعل وسائر الصفات وفي الحرف تابعة للاستعارة في المصدر وفي معنى الحرف ، وهذا عند بعضهم ، وبعضهم يقول الاستعارة بالكناية إنما هو تشبيه العقول بالأنوار والاستعارة التخييلية إنما هو إثبات الفلق والنشر والإضاءة لها ويجوز أن يكون لفظ العقول باقيا على معناه الحقيقي.
ويراد بالإصباح : العلم بالله تعالى وغيره من سائر المعارف على طريق الاستعارة المصرّحة ، لأن تشبيه العلم والإيمان بالنور شائع كثير قال الله تعالى : (وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً) (٢) ويكون لفظ فلق ترشيحا للاستعارة ، وأضيف الإصباح إلى العقول لأنّ العلم يحصل بسببها والاستعارة المصرّحة أبلغ الاستعارات ،
__________________
(١) وسمى.
(٢) الشورى (٥٢).