قالوا : لما فيها من تناسي التشبيه وادّعاء كون المشبّه عين المشبه به حيث أثبت له ما هو من خواص المشبه به ولوازمه حتى كأنّ الإصباح والظلمة فيما نحن بصدده موجودان في القلوب تحقيقا.
«فأشعلها سبحانه بمصابيح الأنوار» : أي أمدّها بزيادة الهدى والتنوير كما قال تعالى : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ) (١).
«القاشعة لسدول الحنادس عن نهج حق معرفته» : أي الكاشفة لما أرخت الظلم من كثيفات مسوحها أي ثيابها السود الغليظة ، أي قشعتها عن طريق حق معرفته تعالى ، أي عمّا يجب علينا من معرفته تعالى لأنّ الخلق لا يحيطون به علما ، والسدول : جمع سديل وهو ما أرخي على الهودج من الثياب ، والمراد هنا الثياب السود والحنادس : جمع حندس وهو الليل الشديد الظلمة ، شبه الجهل بالأشياء الكثيفة السود (٢) التي يتخذ منها الحجاب المانع عن إدراك ما حجبته على طريق الاستعارة المصرحة وشبهها بالليل الشديد الظلمة على طريق الاستعارة بالكناية ، فأثبت لها السدول التي هي الأستار ترشيحا ، [وأضاف السدول إلى الحنادس تخييلا استعارة أخرى أيضا على طريق الكناية أيضا] (٣) ، ونظيره في الجمع بين الاستعارتين : قوله تعالى : (فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ) (٤).
قال التفتازاني : والذي يلوح من كلام القوم في هذه الآية : أن في لباس الجوع استعارتين إحداهما تصريحيّة وهو أنه شبه ما غشي الإنسان عند الجوع والخوف من بعض الحوادث باللباس لاشتماله على اللّابس ثم أستعير له اللباس ، والأخرى مكنيّة وهو أنه شبه ما يدرك من أثر الضرر والألم بما يدرك من طعم المرّ والبشع حتى أوقع عليه الإذاقة. انتهى. وشبه صنع الله العجيب الذي هو الدليل عليه تعالى بالنهج الذي هو الطريق الواضح بجامع الإيصال إلى المطلوب ، فاستعير له لفظ النهج استعارة تصريحية وقرن بما يلائم
__________________
(١) محمد (١٧).
(٢) في (أ) ناقص : السود.
(٣) «أ» ناقص : من وأضاف السدول إلى أيضا.
(٤) النحل (١١٢).