«كجعل الطريق إليها» أي إلى تلك المائدة «وتمكين المكلف» من فعل ما كلّف به بخلق القدرة والآلة وإزاحة المانع «كتيسير تلك الطريق» وتسهيلها للسالك «وفعل الألطاف» للمكلفين «كنصب العلامات» الواضحة على تلك الطريق «كي لا يسلك غيرها» أي لئلّا يسلك غير تلك الطريق «وإرسال الرّسل» من الله تعالى «كالنداء إليها» أي الدعاء إليها «وقبول توبة التائبين كإعتاب من أباها» أي قبول عذر من اعتذر عن إبائه لها ورجع إليها.
قال في الصحاح : يقال : أعتبني فلان إذا عاد إلى مسرّتي راجعا عن الإساءة ، والاسم منه العتبى واستعتبته فأعتبني أي استرضيته فأرضاني «فكما أن فعل ذلك كله تفضّل في حكم العقل» من صاحب المائدة على القوم المحتاجين إلى الطعام لا ينكره عاقل «فكذلك هذا» الذي زعم المخالف وجوبه على الله تعالى.
وقد تضمّن هذا المثال هذه الخمسة وهي : الجزاء والعوض والتمكين واللطف وقبول توبة التائبين ، وهو إشارة إلى ما روي عن النبيء صلىاللهعليهوآلهوسلم من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رحمهالله تعالى قال : خرج علينا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يوما فقال : «إني رأيت في المنام كأنّ جبريل عليهالسلام عند رأسي وميكائيل عند رجلي فقال أحدهما لصاحبه : اضرب له مثلا فقال : اسمع سمعت أذنك واعقل عقل قلبك : إنما مثلك ومثل أمتك كمثل ملك اتّخذ دارا ثم بنى فيها بيتا ، ثم جعل فيها مائدة ثم بعث رسولا يدعو الناس إلى طعامه ، فمنهم من أجاب الرسول ومنهم من ترك ، فالله عزوجل الملك ، والدار الإسلام ، والبيت الجنة وأنت يا محمد رسول من أجابك دخل الجنة ، ومن دخل الجنة أكل مما فيها» رواه الإمام أحمد بن سليمان عليهالسلام في الحقائق.
«وأما التناصف» بين الظالمين والمظلومين «فهو بعد ثبوت كون التخلية» من الله تعالى بين الظالم والمظلوم «من الامتحان» كالآلام التي هي تعريض إلى النفع العظيم. أو دفع الضرر الجسيم وقد عرفت حسن الامتحان بما تقدّم في فصل الآلام.