لقد تساءل المفسرون القدماء عن هذا ، وأجابوا بقول الله تعالى : (وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً).
ولئن سألناهم ، أين هذا البرزخ .. ، وما هو هذا الحجر ..؟ قالوا كما قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : «حجر أحدهما عن الآخر بأمر الله وقضائه» (١).
ولكنهم لم يستطيعوا أبدا أن يضعوا أيديهم على السر العلمي لهذا البرزخ إلى أن جاء العلم الحديث واكتشف «قانون المط السطحي» الذي يفسر هذه الظاهرة.
قانون المط السطحي :
وهو القانون الذي يضبط الأشياء السائلة ، وهو يفصل بين السائلين ، وذلك لأن تجاذب الجزئيات يختلف من سائل لآخر ، ولذا يحتفظ كل سائل باستقلاله في مجاله.
وقد استفاد العلم الحديث كثيرا من هذا القانون الذي عبر عنه القرآن الكريم بقوله سبحانه : (بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ).
وملاحظة هذا البرزخ لم تخف عن أعين القدماء ، وإن لم يستطيعوا معرفة السر العلمي له ، كما لم يتعارض مع المشاهدة الحديثة ، ولا مانع عندنا أن نقول إن البرزخ الفاصل بين الماءين هو هذا القانون.
ويمكننا فهم هذا القانون بمثال بسيط ، وهو أننا لو ملأنا كوبا من الماء ، فإنه لن يفيض إلا إذا ارتفع عن سطح الكوب قدرا معينا ، والسبب في ذلك أن جزئيات السوائل عند ما لا تجد شيئا تتصل به فوق سطح الكوب تتحول إلى ما تحتها ، وعندئذ توجد غشاوة مرنة على سطح الماء ، وهذه الغشاوة هي التي تمنع الماء من الخروج عن الكوب لمسافة معينة.
__________________
(١) الدر المنثور : ٥ / ٧٤.