وأنا إذ أذكر هاتين القصتين لا أذكرهما لذاتهما ، وإنما أذكرهما لأصل إلى حقيقة يقينية ، ألا وهي : أن الإنسان لم يكن على أية معرفة بتغير الضغط وقلته كلما ارتفع الإنسان في الفضاء ، وأن هذا يؤدي إلى ضيق التنفس ، وفي مرحلة ما يؤدي إلى تفجر الشرايين والاختناق.
إلا أننا نجد أن القرآن الكريم قد أشار إلى كل هذا بكل صراحة ووضوح ، فقال تعالى: (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ ، وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ) (سورة الأنعام : آية ١٢٥).
فالآية تنص وبصريح العبارة أن صدر الإنسان يضيق إذا صعد في السماء ، وأن هذا الضيق يزداد كلما ازداد الإنسان في الارتفاع إلى أن يصل إلى أضيق الضيق ، وهو معنى الحرج في الآية ، كما فسره علماء اللغة.
ولقد عبرت الآية عن هذا المعنى بأبلغ تعبير في قوله تعالى : (كَأَنَّما يَصَّعَّدُ) إذ أن أصلها «يتصعد» قلبت التاء صادا ، ثم أدغمت الصاد في الصاد ، فصارت «يصعد» ومعناه أنه يفعل صعودا بعد صعود ، كتجرع الشراب وتفوقه.
فالآية لم تتكلم على مجرد الضيق الذي يلاقيه المرتفع في الجو ، الصاعد في السماء فقط ، وإنما تكلمت أيضا على ازدياد هذا الضيق كلما ازداد الارتفاع في الفضاء ، وهو معنى قوله تعالى : (يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ).
إن أحدا من المفسرين القدماء لم يتعرض لهذه الآية بهذا المعنى الذي نفهمه اليوم بعلومنا المعاصرة ، ولكن فسروه تفسيرا لغويا بما يتناسب مع معارفهم ، والآية صريحة وواضحة في معاييرنا العلمية اليوم.
فمن الذي علم محمدا صلىاللهعليهوسلم هذه الحقيقة العلمية التي كانت خافية على الناس في عصره ، وفيما بعد عصره لأمد طويل.
وكيف تمكن أن يصوغها بهذا الأسلوب الذي يتماشى مع أدق التعبيرات