لم يحتج الى ذكر الفارق ، كما تقدم في قصص الامم ، وان لم يكن مثلها بيّن ذلك بذكر الفارق ، بأن يقال : ليس ذلك مثل هذا ، ونحو ذلك. واذا تقرر انتفاء المماثلة كانت الاضافة وحدها كافية في بيان الفارق ، وانتفاء التساوي لا يمنع وجود القدر المشترك الذي هو مدلول اللفظ المشترك ، وبه صرنا نفهم الامور الغائبة ولو لا المعنى المشترك ما أمكن ذلك قط.
قوله : (ولا شيء يعجزه).
ش : لكمال قدرته. قال تعالى : (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) البقرة : ٢٠. (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً) الكهف : ٤٥. (وَما كانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً قَدِيراً) فاطر : ٤٤ (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) البقرة : ٢٥٥. «لا يؤده» أي : لا يكرثه (٤٢) ولا يثقله ولا يعجزه. فهذا النفي لثبوت كمال ضده ، وكذلك كل نفي يأتي في صفات الله تعالى في الكتاب والسنة إنما هو لثبوت كمال ضده ، كقوله تعالى : (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) الكهف : ٤٩ ، لكمال عدله. (لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) سبأ : ٣ ، لكمال علمه. وقوله تعالى : (وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ) ق : ٣٨ ، لكمال قدرته. (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) البقرة : ٢٥٥ لكمال حياته وقيّوميته. (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) الانعام : ١٠٣ ، لكمال جلاله وعظمته وكبريائه ، والا فالنفي الصّرف لا مدح فيه ، ألا ترى أن قول الشاعر :
قبيلة لا يغدرون بذمة |
|
ولا يظلمون الناس حبّة خردل |
لما اقترن بنفي الغدر والظلم عنهم ما ذكره قبل هذا البيت وبعده ، وتصغيرهم بقوله «قبيلة» علم أن المراد عجزهم وضعفهم ، لا كمال قدرتهم. وقول الآخر :
لكنّ قومي وان كانوا ذوي عدد |
|
لسوا من الشّر في شيء وان هانا |
__________________
(٤٢) في «القاموس» : كرثه الغم يكرثه ويكرثه بكسر الراء وضمها. اشتد عليه ، كأكرثه.