(أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ) الطور : ٣٥. يقول سبحانه : أحدثوا من غير محدث أم هم أحدثوا أنفسهم؟ ومعلوم أن الشيء المحدث لا يوجد نفسه ، فالممكن الذي ليس له من نفسه وجود ولا عدم لا يكون موجودا بنفسه ، بل ان حصل ما يوجده والا كان معدوما ، وكل ما أمكن وجوده بدلا عن عدمه وعدمه بدلا عن وجوده ، فليس له من نفسه وجود ولا عدم لازم له.
واذا تأمل الفاضل غاية ما يذكره المتكلمون والفلاسفة من الطرق العقلية ، وجد الصواب منها يعود الى بعض ما ذكر في القرآن من الطرق العقلية بأفصح عبارة وأوجزها ، وفي طرق القرآن من تمام البيان والتحقيق ما لا يوجد عندهم مثله ، قال تعالى : (وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً) الفرقان : ٣٣.
ولا نقول : لا ينفع الاستدلال بالمقدمات الخفية والادلة النظرية ـ : فان الخفاء والظهور من الامور النسبية ، فربما ظهر لبعض الناس ما خفي على غيره ، ويظهر للانسان الواحد في حال ما خفي عليه في حال أخرى. وأيضا فالمقدمات وان كانت خفية فقد يسلمها بعض الناس وينازع فيما هو أجلى منها ، وقد تفرح النفس بما علمته من البحث والنظر ما لا تفرح بما علمته من الأمور الظاهرة. ولا شك أن العلم بإثبات الصانع ووجوب وجوده أمر ضروري فطري ، وان كان يحصل لبعض الناس من الشبه ما يخرجه الى الطرق النظرية.
وقد أدخل المتكلمون في أسماء الله تعالى القديم ، وليس هو من الاسماء الحسنى ، فان القديم في لغة العرب التي نزل بها القرآن : هو المتقدم على غيره ، فيقال : هذا قديم ، للعتيق ، وهذا حديث ، للجديد. ولم يستعملوا هذا الاسم الا في المتقدم على غيره ، لا فيما [لم] يسبقه عدم ، كما قال تعالى : (حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) يس : ٣٩. والعرجون القديم : الذي يبقى الى حين وجود العرجون الثاني ، فاذا وجد الجديد قيل للاول : قديم ، وقال تعالى : (وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ) الاحقاف : ١١ ، أي متقدم في الزمان. وقال تعالى : (أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ. أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ) الشعراء : ٧٥ ، ٧٦. فالاقدم مبالغة في القديم ، ومنه : القول القديم والجديد للشافعي رحمهالله تعالى. وقال تعالى : (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ) هود : ٩٨ ، أي