السلف قاطبة ، فيقولون : ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن. ولهذا اتفق الفقهاء على أن الحالف لو قال : والله لأفعلن كذا ان شاء الله ـ لم يحنث ـ اذا لم يفعله وان كان واجبا أو مستحبا. ولو قال : ان أحب الله ـ حنث ـ اذا كان واجبا أو مستحبا.
والمحققون من أهل السنة يقولون : الإرادة في كتاب الله نوعان : إرادة قدرية كونية خلقية ، وإرادة دينية أمرية شرعية ، فالإرادة الشرعية هي المتضمنة للمحبة والرضى ، والكونية هي المشيئة الشاملة لجميع الموجودات.
وهذا كقوله تعالى : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ) الانعام : ١٢٥. وقوله تعالى عن نوح عليهالسلام : (وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ) هود : ٣٤. وقوله تعالى : (وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) البقرة : ٢٥٣.
وأما الإرادة الدينية الشرعية الامرية ، فكقوله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) البقرة : ١٨٥ ، وقوله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) النساء : ٢٦. (وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً. يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) النساء : ٢٧ ، ٢٨. وقوله تعالى : (ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ) المائدة : ٦. وقوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) الاحزاب : ٣٣.
فهذه الإرادة هي المذكورة في مثل قول الناس لمن يفعل القبائح : هذا يفعل ما لا يريده الله ، أي : لا يحبه ولا يرضاه ولا يأمر به.
واما الإرادة الكونية فهي الإرادة المذكورة في قول المسلمين : ما شاء الله كان ولم يشأ لم يكن.
والفرق ثابت بين إرادة المريد أن يفعل ، وبين ارادته من غيره أن يفعل. فاذا أراد الفاعل أن يفعل فعلا فهذه الإرادة معلقة بفعله ، واذا أراد من غيره أن يفعل فعلا