فهذه الإرادة لفعل الغير ، وكلا النوعين معقول للناس ، والامر يستلزم الإرادة الثانية دون الاولى ، فالله تعالى اذا أمر العباد بأمر فقد يريد اعانة المأمور على [ما] أمر به وقد لا يريد ذلك ، وان كان مريدا منه فعله.
وتحقيق هذا مما يبين فصل النزاع في أمر الله تعالى : هل هو مستلزم لإرادته أم لا؟ فهو سبحانه أمر الخلق على ألسن رسله عليهمالسلام بما ينفعهم ونهاهم عما يضرهم ، ولكن منهم من أراد أن يخلق فعله ، فأراد سبحانه أن يخلق ذلك الفعل ويجعله فاعلا له. ومنهم من لم يرد أن يخلق فعله ، فجهة خلقه سبحانه لأفعال العباد وغيرها من المخلوقات ، غير جهة أمره للعبد على وجه البيان لما هو مصلحة للعبد أو مفسدة ، وهو سبحانه ـ اذ أمر فرعون وأبا لهب وغيرهما بالايمان ـ كان قد بيّن لهم ما ينفعهم ويصلحهم اذا فعلوه ، ولا يلزم اذا أمرهم أن يعينهم ، بل قد يكون في خلقه لهم ذلك الفعل واعانتهم عليه وجه مفسدة من حيث هو فعل له ، فإنه يخلق ما يخلق لحكمة ، ولا يلزم اذا كان الفعل المأمور به مصلحة للمأمور ، اذا فعله ـ أن يكون مصلحة للامر اذا فعله هو أو جعل المأمور فاعلا له. فأين جهة الخلق من جهة الأمر؟ فالواحد من الناس يأمر غيره وينهاه مريدا النصيحة ومبينا لما ينفعه ، وان كان مع ذلك لا يريد أن يعينه على ذلك الفعل ، اذ ليس كل ما كان مصلحتي في أن آمر به غيري وأنصحه ـ يكون مصلحتي في أن أعاونه أنا عليه ، بل قد تكون مصلحتي إرادة ما يضاده. فجهة أمره لغيره نصحا غير جهة فعله لنفسه ، واذا أمكن الفرق في حق المخلوقين فهو في حق الله أولى بالامكان.
والقدرية تضرب مثلا بمن أمر غيره بأمره ، فإنه لا بد أن يفعل ما يكون المأمور أقرب الى فعله ، كالبشر والطلاقة وتهيئة المساند والمقاعد ونحو ذلك.
فيقال لهم : هذا يكون على وجهين : أحدهما : أن تكون مصلحة الامر تعود الى الآمر ، كأمر الملك جنده بما يؤيد ملكه ، وأمر السيد عبده بما يصلح ملكه ، وأمر الانسان شريكه بما يصلح الامر المشترك بينهما ، ونحو ذلك.
الثاني : أن يكون الآمر يرى الاعانة للمأمور مصلحة له ، كالأمر بالمعروف ، واذا أعان المأمور على البر والتقوى فإنه قد علم أن الله يثيبه على اعانته على الطاعة ، وأنه في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. فأما اذا قدر ان الآمر انما أمر المأمور