لمصلحة المأمور ، لا لنفع يعود على الآمر من فعل المأمور ، كالناصح المشير ، وقدر أنه اذا أعانه لم يكن ذلك مصلحة للآمر ، وأن في حصول مصلحة المأمور مضرة على الآمر ، مثل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى وقال لموسى عليهالسلام : (إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ) القصص : ٢٠. فهذا مصلحته في أن يأمر موسى عليهالسلام بالخروج ، لا [في] أن يعينه على ذلك ، اذ لو أعانه لضره قومه. ومثل هذا كثير.
واذا قيل : ان الله أمر العباد بما يصلحهم ، لم يلزم من ذلك أن يعينهم على [ما] أمرهم به ، لا سيما وعند القدرية لا يقدر أن يعين أحدا على ما به يصير فاعلا. واذا عللت أفعاله بالحكمة ، فهي ثابتة في نفس الامر ، وان كنا نحن لا نعلمها. فلا يلزم اذا كان نفس الآمر له حكمة في الامر أن يكون في الاعانة على فعل المأمور به حكمة ، بل قد تكون الحكمة تقتضي ان لا يعينه على ذلك ، فإنه اذا أمكن في المخلوق أن يكون مقتضى الحكمة والمصلحة أن يأمر لمصلحة المأمور ، وأن تكون الحكمة والمصلحة للآمر أن لا يعينه على ذلك ـ : فإمكان ذلك في حق الرب أولى وأخرى.
والمقصود : أنه يمكن في حق المخلوق الحكيم أن يأمر غيره بأمر ولا يعينه عليه ، فالخالق أولى بإمكان ذلك في حقه مع حكمته. فمن أمره وأعانه على فعل المأمور كان ذلك المأمور به قد تعلق به خلقه وأمره إنشاء وخلقا ومحبة ، فكان مرادا بجهة الخلق ومرادا بجهة الأمر. ومن لم يعنه على فعل المأمور كان ذلك المأمور قد تعلق به أمره ولم يتعلق به خلقه ، لعدم الحكمة المقتضية لتعلق الخلق به ، ولحصول الحكمة المقتضية لخلق ضده. وخلق أحد الضدين ينافي خلق الضد الآخر ، فإن خلق المرض ـ الذي يحصل به ذل العبد لربه ودعاؤه وتوبته وتكفير خطاياه ويرق به قلبه ويذهب عنه الكبرياء والعظمة والعدوان ـ يضاد خلق الصحة التي لا تحصل معها هذه المصالح. ولذلك [كان] خلق ظلم الظالم ـ الذي يحصل به للمظلوم من جنس ما يحصل بالمرض ـ يضاد خلق عدله الذي لا يحصل به هذه المصالح ، وان كانت مصلحته هو في أن يعدل.
وتفصيل حكمة الله عزوجل في خلقه وأمره ، يعجز عن معرفته عقول البشر ،