ومن أنكر ما وصف الله به نفسه فقد كفر ، وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه. وقال اسحاق بن راهويه (٤٩) : من وصف الله فشبّه صفاته بصفات احد من خلق الله فهو كافر بالله العظيم. وقال : علامة جهم وأصحابه ؛ دعواهم على أهل السنة والجماعة ما أولعوا به من الكذب ـ : أنهم مشبّهة ، بل هم المعطلة. وكذلك قال خلق كثير من أئمة السلف : علامة الجهمية تسميتهم أهل السنة مشبهة ، فانه ما من أحد من نفاة شيء من الاسماء والصفات الا يسمي المثبت لها مشبها ، فمن أنكر أسماء الله بالكلية من غالية الزنادقة ؛ القرامطة والفلاسفة ، وقال : ان الله لا يقال له : عالم ولا قادر ـ : يزعم أن من سماه بذلك فهو مشبه ، لأن الاشتراك في الاسم يوجب الاشتباه في معناه ، ومن أثبت الاسم وقال : هو مجاز ، كغالية الجهمية ، يزعم أن من قال : ان الله عالم حقيقة ، قادر حقيقة ـ : فهو مشبه ، ومن أنكر الصفات وقال : ان الله ليس له علم ولا قدرة ولا كلام ولا محبة ولا إرادة ـ قال لمن أثبت الصفات : أنه مشبه ، وانه مجسم. ولهذا كتب نفاة الصفات ، من الجهمية والمعتزلة والرافضة ونحوهم ، كلها مشحونة بتسمية مثبتة الصفات مشبهة ومجسمة ، ويقولون في كتبهم : ان من جملة المجسمة قوما يقال لهم : المالكية ، ينسبون الى رجل يقال له : مالك بن أنس ، وقوما يقال لهم الشافعية ، ينسبون الى رجل يقال له : محمد بن ادريس!! حتى الذين يفسرون القرآن منهم ، كعبد الجبار ، والزمخشري ، وغيرهما ، يسمّون كل من أثبت شيئا من الصفات وقال بالرؤية ـ مشبّها ، وهذا الاستعمال قد غلب عند المتأخرين من غالب الطوائف.
ولكن المشهور من استعمال هذا اللفظ عند علماء السنة المشهورين : أنهم لا يريدون بنفي التشبيه نفي الصفات ، ولا يصفون به كل من أثبت الصفات. بل
__________________
(٤٩) هو اسحاق بن ابراهيم التميمي المروزي ابو يعقوب عالم خراسان في عصره قال فيه الخطيب البغدادي : اجتمع له الحديث والفقه والحفظ والصدق والورع والزهد. روى عنه البخاري ومسلم والترمذي وغيرهم.