مرادهم أنه لا يشبه المخلوق في أسمائه وصفاته وأفعاله ، كما تقدم من كلام أبي حنيفة رحمهالله أنه تعالى يعلم ا كعلمنا ، ويقدر لا كقدرتنا ، ويرى لا كرؤيتنا. وهذا معنى قوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) الشورى : ١١. فنفى المثل وأثبت الصفة.
وسيأتي في كلام الشيخ اثبات الصفات ، تنبيها على أنه ليس نفي التشبيه مستلزما لنفي الصفات.
ومما يوضح هذا أن العلم الالهي لا يجوز أن يستدل فيه بقياس تمثيلي يستوي فيه الاصل والفرع ، ولا بقياس شمولي يستوي أفراده ، فان الله سبحانه ليس كمثله شيء ، فلا يجوز أن يمثل بغيره ، ولا يجوز أن يدخل هو وغيره تحت قضية كلية يستوي أفرادها. ولهذا لما سلكت طوائف من المتفلسفة والمتكلمة مثل هذه الاقيسة في المطالب الالهية ـ لم يصلوا بها الى اليقين ، بل تناقضت أدلتهم ، وغلب عليهم بعد التناهي الحيرة والاضطراب ، لما يرونه من فساد أدلتهم أو تكافيها (٥٠)
ولكن يستعمل في ذلك قياس الأولى ، سواء كان تمثيلا أو شمولا ، كما قال تعالى : (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى) النحل : ٦٠. مثل أن يعلم أن كل كمال للممكن أو للمحدث ، لا نقص فيه بوجه من الوجوه ، وهو ما كان كمالا للوجود غير مستلزم للعدم بوجه ـ : فالواجب القديم أولى به. وكل كمال لا نقص فيه بوجه من الوجوه ، ثبت نوعه للمخلوق والمربوب المدبّر ـ : فانما استفاده من خالقه وربه ومدبّره ، وهو أحق به منه. وأن كل نقص وعيب في نفسه ، وهو ما تضمن سلب هذا الكمال ، اذا وجب نفيه عن شيء من أنواع المخلوقات والممكنات والمحدثات ـ : فانه يجب نفيه عن الرب تعالى بطريق الاولى.
ومن أعجب العجب : أن من غلاة نفاة الصفات الذين يستدلون بهذه الآية الكريمة على نفي الصفات والاسماء ، ويقولون : واجب الوجود لا يكون كذا ولا يكون كذا ـ ثم يقولون : أصل الفلسفة هي التشبيه بالإله على قدر الطاقة ،
__________________
(٥٠) أصل هذه الكلمة تكافئها ، وتسهيل الهمزة حولها الى ما ترى ومعناها : تساويها.