ويجعلون هذا غاية الحكمة ونهاية الكمال الانساني ، ويوافقهم على ذلك بعض من يطلق هذه العبارة. ويروى عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «تخلّقوا بأخلاق الله» (٥١) ، فاذا كانوا ينفون الصفات ، فبأي شيء يتخلق العبد على زعمهم؟! وكما أنه لا يشبه شيئا من مخلوقاته تعالى ، لا يشبهه شيء من مخلوقاته ، لكن المخالف في هذا النصارى والحلولية والاتحادية لعنهم الله تعالى. ونفي مشابهة شيء من مخلوقاته له ، مستلزم لنفي مشابهته لشيء من مخلوقاته. فلذلك اكتفى الشيخ رحمهالله بقوله ولا يشبهه الانام. والانام : الناس ، وقيل ؛ كل ذي روح ، وقيل : الثقلان. وظاهر قوله تعالى : (وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ) الرحمن : ١٠ ـ يشهد للأول أكثر من الباقي. والله أعلم.
قوله : (حي لا يموت قيوم لا ينام).
ش : قال تعالى : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) البقرة : ٢٥٥ ، فنفي السّنة والنوم دليل على كمال حياته وقيّوميته. وقال تعالى : (الم. اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ. نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِ) آل عمران : ١ ـ ٣. وقال تعالى : (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ) طه : ١١١. وقال تعالى : (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ) الفرقان : ٥٨ وقال تعالى : (هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) غافر : ٦٥ وقال صلىاللهعليهوسلم : «ان الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام» (٥٢) ، الحديث.
لما نفى الشيخ رحمهالله التشبيه ، أشار الى ما تقع به التفرقة بينه وبين خلقه ، بما يتصف به تعالى دون خلقه : فمن ذلك : أنه حي لا يموت ، لأن صفة الحياة الباقية مختصة به تعالى ، دون خلقه ، فإنهم يموتون. ومنه : أنه قيوم لا ينام ، اذ هو مختص
__________________
(٥١) لا نعرف له أصلا في شيء من كتب السنة ، ولا في «الجامع الكبير» للسيوطي ، نعم أورده في كتابه «تأييد الحقيقة العلية» (ق ٨٩ / ١) ، لكنه لم يعزه لأحد!
(٥٢) رواه مسلم وابن ماجه وأبو سعيد الدارمي في «الرد على الجهمية» وقد قام بطبعه المكتب الاسلامي ، وهو طرف من حديث ابي موسى الاشعري ، وسيأتي بتمامه (رقم ١٧١).